فاطلب لي منه في هذه الأوقات إذنا عليه، فاستأذن لي، فدخلت عليه وهو قاعد في مصلاه متفكرا.
قال أبو الصلت: فقلت له: يا ابن رسول الله ما شئ يحكيه عنكم الناس؟ قال:
وما هو؟ قلت: يقولون: إنكم تدعون أن الناس لكم عبيد، فقال: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت شاعة بأني لم أقل ذلك قط ولا سمعت أحدا من آبائي قاله قط وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمة وإن هذه منها، ثم أقبل علي فقال لي: يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيد لنا على ما حكوه عنها فممن نبيعهم؟ قلت: يا ابن رسول الله صدقت، ثم قال: يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب الله تعالى لنا من الولاية، كما ينكر غيرك؟ قلت: معاذ الله بل أنا مقر بولايتكم (1).
عنه حدثنا الحاكم أبو جعفر بن نعيم بن شاذان - رضي الله عنه - قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن العباس قال: ما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جنا أحدا بكلمة قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحدا من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه التبسم.
وكان إذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان عليه السلام قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيى أكثر لياليه من أولها إلى الصبح، وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول:
ذلك صوم الدهر، وكان عليه السلام كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدق (2).