ويتحدث القرآن عنها في الفترة الأخيرة المكية باسم الجن. وإن كان يتحدث عنها في الفترة المدنية على أنها مجرد أسماء، إذا كان ذلك فليس من الضروري اكتشاف سبب خاص للآيات الإبليسية فهي لا تدل على أي تقهقر واع للتوحيد بل هي تعبير عن النظريات التي دافع عنها دائما محمد.
وهكذا فإن قيمة الآيات السياسية مهمة. فهل اعترف محمد بصحتها لأنه كان يهمه كسب الأنصار في المدينة والطائف وبين القبائل المجاورة؟ هل كان يحاول التخفيف من تأثير الزعماء القرشيين المعارضين له باكتساب عدد كبير من الأتباع؟ ذكر هذه المعابد دليل على أن نظرته أخذت في الاتساع.
تشير الرواية عن أبي العالية، المذكورة آنفا، أن القرشيين عرضوا على محمد إدخاله في دائرتهم إذا رضى بذكر آلهتهم. ونجد روايات أخرى بهذا الصدد.
ويقولون أنهم قدموا إليه الثروة والزواج من غنية، ومكانة عالية. كما عرضوا عليه أن يشركوه في عبادتهم ومصالحهم.
ويبقى علينا أن نعرف ما إذا كانت كل هذه القصص قد اخترعت للتعظيم من شان محمد في هذه الفترة. فهل عظم شأنه ليعامله زعماء مكة معاملة الند للند؟
إن وصف مكانة محمد، على الا جهال، كما نجده في الاخبار قريب من الحقيقة.
ويجب أن نتذكر أن هناك من حاول التقليل من أهمية الانتصارات الأولية التي حازها محمد لأن أحقاد الذين تبعوه لفترة من الزمن ثم تركوه كانوا لا يودون تذكر هذه الأمور.
نرى محمدا في رواية أبي العالية شخصية كبيرة بين زائري مكة، وإن لم يستقبله زعماء مكة استقبالا حسنا، فلو أن الامر كان مجرد اختراع لما لو حظ هذا التناقض بشكل قوي. فلنفترض إذن ان زعماء قريش عرضوا على محمد عرضا من هذا النوع وذلك بأن ينال بعض الامتيازات المادية مقابل أن يعترف بآلهتهم.