الإفك.
ثم قدمنا فلم أنشب أن اشتكيت شكوى شديدة، ولا يبلغني من ذلك شئ، وقد انتهى ذلك إلى أبوي، وأبواي لا يذكران لي من ذلك شيئا، إلا أني قد أنكرت من رسول الله (ص) لطفه بي ورحمته، فلا أعرف منه اللطف الذي كنت أعرف حين اشتكيت، إنما يدخل فيسلم فيقول: كيف تيكم؟ فكنت إذا اشتكيت لطف بي ورحمني وجلس عندي. وكنا قوما عربا لا نعرف الوضوء في البيوت، نعافها ونقذرها، وكنا نخرج إلى المناصع (1) بين المغرب والعشاء لحاجتنا. فذهبت ليلة ومعي أم مسطح ملتفعة في مرطها، فتعلقت به فقالت: تعس مسطح! فقلت:
بئس لعمر الله ما قلت، تقولين هذا لرجل من أهل بدر؟ فقالت لي مجيبة: ما تدرين وقد سال بك السيل. قلت: ماذا تقولين؟ فأخبر تني بقول أصحاب الإفك، فقلص ذلك مني، وما قدرت على أن أذهب لحاجتي، وزادني مرضا على مرضي، فما زلت أبكي ليلي ويومي. قالت: ودخل رسول الله (ص) بعد ذلك فقلت: ائذن لي أذهب إلى أبوي، وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي فأتيت أبوي فقلت لأمي: يغفر الله لك، تحدث الناس بما تحدثوا به وذكروا ما ذكروا ولا تذكرين لي من ذلك شيئا! فقالت: يا بنية، خفضي عليك الشأن، فوالله ما كانت جارية حسناء عند رجل يحبها ولما ضرائر إلا كثرن عليها القالة وكثر الناس عليها. فقلت: سبحان الله، وقد تحدث الناس بهذا كله؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم.
قالت: فدعا رسول الله (ص) عليا وأسامة فاستشار هما في فراق أهله.
قالت: وكان أحد الرجلين ألين قولا من الآخر. قال أسامة: يا رسول الله، هذا الباطل والكذب، ولا نعلم إلا خيرا، وإن بريرة تصدقك. وقال علي: لم يضيق