فقالوا: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكن نصالحك، فصالحهم رسول الله على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حلة، الف في صفر، والف في رجب. وعلى عارية ثلاثين درعا وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا.
وقال (ص): والذي نفسي بيده أن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولولا عنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا. وهذه الآية أوضح دلالة على فضل أصحاب الكساء وعلو درجتهم وبلوغ مرتبتهم في الكمال إلى حد لا يدانيهم أحد من الخلق.
أقول: ولنعم ما قال الأسقف أني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لازاله بها، نعم وهي أحب الوجوه وأقربهم إلى الله وهي مصابيح الدجى وكهوف في الورى، وتدور الدنيا وهي المشكاة الباهرة النبوية، والدوحة المباركة الأحمدية والشجرة الميمونة الرضية التي تنبع بالنبوة وتفرع بالرسالة، وتثمر بالإمامة وينابيع الحكمة:
ينابيع علم يستقيض بحكمة * هداة إذا ما جاء للعلم قابس وقد توجوا بالعلم واستودعوا الهدى * بهم تحسن الدنيا وتزهو المجالس وهي المعبر عن قول رسول الله (ص) بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين والنجوم الزاهرة. قال (ص): اقتدوا بالشمس، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزهرة، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين. فقالوا:
يا رسول الله فما الشمس القمر؟ وما الزهرة وما الفرقدين؟ فقال: أن الشمس وعلي القمر، وفاطمة الزهرة، والفرقدان: الحسن والحسين.
(وفي رواية) فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة، وقال (ص):
وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم.
أقول: أما الشمس، النبوة، فغابت بقلب مكمد محزون مما قاسى من أمته وأما الزهرة: التي هي الزهراء، فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر فلك الإمامة: فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم وأما الفرقدان فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقئ كبده، وغاب الاخر بعد الظهر من يوم عاشوراء وانكسفت الشمس، وأمطرت السماء بعد أن بدت نجومها الزاهرة فغابت في الثرى متشتتا:
بعض (بطيبة) مدفون وبعضهم * في (كربلا) وبعض في (الغريين)