مقدمة (في الأمالي) عن الصادق (ع) قال: إن داود خرج ذات يوم يقرأ الزبور وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا وقد جاوبه، فما زال يمر حتى انتهى إلى جبل فإذا عليه نبي عابد يقال له حزقيل. فلما سمع دوى الجبال وأصوات السباع والطير علم إنه داود، قال حزقيل أتأذن لي فأصعد إليك؟ قال: لا، فبكى داود فأوحى الله جل جلاله إليه يا حزقيل لا تعير داود وسلني العافية، فقام حزقيل واخذ بيد داود فرفعه إليه فقال داود يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا، فقال:
فهل دخلك عجب مما أنت فيه من عبادة ربك؟ قال لا، قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: بلى ربما عرض بقلبي ذلك قال: فماذا تصنع إذا كان ذلك؟ قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأه داود فإذا هي أنا أروى ابن شلم ملكت الف سنة، وقتلت الف سلطان، وبنيت الف مدينة، وافتضضت الف بكر.
فهذا آخر أمري إن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والديدان والحيات جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا - يعني لا يعتمد على الدنيا وزخارفها، ولا يركن إلى الدنيا وملكها - لان جميع ما يتعلق بها فانية والكيس هو الذي يسعى في الآخرة الباقية. قال (ص):
تحرز من الدنيا فان فنائها * محل فناء لا محل بقاء فصفوتها ممزوجة بكدورة * وراحتها مقرونة بعناء ولذا قال علي (ع): لو كانت الدنيا ذهبا والآخرة خزفا لاخذت خزف الآخرة على ذهب الدنيا فإنه خزف باق، وذهب الدنيا فان، فكيف والآخرة ذهب باق والدنيا خزف فان، ولذا كنيت الدنيا بأبي الفناء. قال (ع): كنية الدنيا أبو الفناء وكنية الناس أبو الجفاء فلا تطمع من الفناء بقاءا، ومن الجفاء وفاءا.
دع الدنيا وزينتها لوغد * وحاذرها إذا كنت الرشيدا أترجوا الخير من دنيا أهانت * حسين السبط واختارت يزيدا