الموت حقا ولا يمكن دفعه بعلاج ودواء ولكن ترى الانسان يستعجل به من غاية حبه الطعام وافراطه في الاكل على إنه لا تطيب الحياة مع العلة والمرض.
وربما يرضى بالموت ولا يرضى بعمر معه الأسقام والأوجاع، ويطلب منيته ولا يأتيه حتى تنصرم أيامه وتنقطع آجاله فحينئذ لا يمكن العلاج، ولا ينفع الدواء ولا يقدر على دفعه، ولم يكن له تدبير في أمر نفسه، كما لم يتمكنوا من دفعه الملوك والجبابرة ولا الفراعنة والقياصرة، ولا أحد من الأطباء المهرة به، وترى الطبيب يموت بمرض كان ماهرا في معالجته. قيل: ان أربعة من الحكماء ماتوا بأربعة امراض كانوا ماهرين في فن معالجته، فإن أفلاطون مات مبرسما، وان أرسطاطاليس مات بالسل، وان بقراط مات مفلوجا، وجالينوس مات مبطونا، ولقد أجاد الشاعر حيث قال:
ألا أيها المغرور تب من غير تأخير * فان الموت قد يأتي ولو صيرت قارونا فكم قد مات ذو طب وكم قد مات ذو مال * يلاقي بطشة الجبال ذا عقل ومجنونا بسل ما ت أرسطاليس أفلاطون برساما * وبقراط بأفلاج وجالينوس مبطونا (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) قال أمير المؤمنين (ع): فلو أن أحدا يجد البقاء سلما أو لدفع الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة وعظم الزلفة، ولو تمكن أحد من الخلود في الدنيا لكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بذلك. قال الشاعر:
ولو كانت الدنيا تدوم بأهلها * لكان رسول الله فيها مخلدا نعم يتمنى المرء الخلود في الدنيا لنفسه ولأحبائه وأخلائه ولكن لا يتيسر له كما قال عليه السلام في مرثية الزهراء:
يريد الفتى ان لا يموت حبيبه * وليس إلى ما يبتغيه سبيل فلا بد من موت ولا بد من بلا * وان بقائي بعدكم لقليل أرى علل الدنيا علي كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل وان افتقادي فاطما بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل