بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٧ - الصفحة ٨٨
الأصحاب عليه الاجماع، إلا أنه يلوح من كلام ابن أبي عقيل نوع مخالفة فيه، حيث حكى عنه في المختلف أنه قال: إذا أصاب ثوبه دم فلم يره حتى صلى فيه، ثم رآه بعد الصلاة وكان الدم على قدر الدينار غسل ثوبه، ولم يعد الصلاة وإن كان أكثر من ذلك أعاد الصلاة، ولو رآه قبل صلاته أو علم أن في ثوبه دما ولم يغسله حتى صلى غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا وقد روي أنه لا إعادة عليه، إلا أن يكون أكثر من مقدار الدينار.
وكذا نقلوا الاجماع على عدم العفو عما زاد على الدرهم، واختلفوا فيما كان بقدر الدرهم، فذهب الأكثر إلى وجوب إزالته، ونقل عن المرتضى وسلار القول بالعفو عنه، والإزالة أحوط، مع أن إجمال معنى الدرهم وعدم انضباطه مما ينفي فائدة هذا الخلاف، إذ لم يثبت حقيقة شرعية فيه، وكلام الأصحاب مختلف في تفسيره وتحديده، فالمشهور بينهم أن الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث وبعضهم وصفه بالبغلي.
وقال المحقق: هو نسبة إلى قرية بالجامعين، وضبطه جماعة بفتح العين وتشديد اللام، وقال ابن إدريس شاهدت درهما من تلك الدراهم تقرب سعته من سعة أخمص الراحة، وهو ما انخفض منها، وقال في الذكرى: هو باسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية، وزنه ثمانية دوانيق، وعن ابن الجنيد سعته كعقد الابهام الأعلى.
ثم إن المشهور بين الأصحاب عدم الفرق في العفو بين الثوب والبدن، و ربما يستشكل في البدن لورود أكثر الروايات في الثوب، وقوله " والوافي - إلى قوله: علمت به أم لم تعلم " ذكره الصدوق في الفقيه، وفيه " وإن كان الدم دون حمصة " وهو أظهر (1).

(١) أقول: الأصل في ذلك قوله تعالى " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير " الانعام: ١٤٥ وقد نزل بمكة المكرمة، وما نزل بعدها في المدينة من قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " ونحوها يشير بالألف واللام إلى ما ذكر قبلا في سورة الأنعام، فالدم إذا كان مسفوحا كان محرما وإذا لم يكن مسفوحا لم يكن محرما.
والتحريم في اللغة هو المنع المطلق الشامل من جميع الجهات حتى مسه واصابته كالحمى، فيستفاد من هذا العموم وجوب الاجتناب من الدم المسفوح إذا أصاب الثوب و الجسد، وعدم الاجتناب منه إذا لم يكن مسفوحا.
والمسفوح هو المسفوك باندقاق، فدم الشاة عند ذبحها مسفوح باندقاق وهو نجس محرم غير معفو ولو قدر أبرة وما بقي في جوفها حلال طاهر ولو كان أكثر من حمصة و دم الرعاف لا يكون الا مندفقا، فإنه بانفجار العرق بامتلائه من الدم، وأقله قطرة مسفوحة يتلطخ به باطن الانف ويخرج منه قدر الإبر ونحوه، فهذا الدم قليله وكثيره سواء كدم الحيض سواء، وأما إذا لم يكن من انفجار العرق، بل كان جرحا أو قرحا في باطن الانف، فرش منه الدم فهو طاهر شرعا، ومن تطهر منه تطهر لأجل استقذاره.
وهكذا الدم المسفوح من سائر العروق إذا اندفق وأقله قطرة مسفوحة، ما دام رطبا تكون قدر حمصة، وان وقعت على ثوب أو غيره صارت كالدرهم سعة.
فالاعتبار كما رواه الشلمغاني - وقد أجيز لنا العمل بما رواه - تحت الرقم 5 بالسفح وعدمه، فإذا كان الدم مسفوحا وأقله لا يكون الا قطرة فهو نجس سواء كان ما تلطخ به الجسد أو الثوب أقل من درهم أو أكثر، أصاب الرطب منه قدر حمصة أو أكثر، وما لم يكن مسفوحا بل كان رشا كان طاهرا سواء تلطخ به الثوب والجسد أقل من درهم أو أكثر أصاب الرطب منه دون الحمصة أو أكثر، فاعتبار الدرهم والحمصة في الروايات لأجل تشخيص الدم الطاهر من غيره والفرق بين الرش والسفح فافهم ذلك.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست