بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٦ - الصفحة ١٨٠
{91 باب} * (السرقة والغلول وحدهما) * الآيات: آل عمران: " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (1).
(١) آل عمران: ١٦١ أقول: قرأ ابن كثير وأبو عمرو مع عاصم " أن يغل " - بفتح الياء وضم الغين - والمعنى ما كان له أن يخون في الغنيمة والباقون بضم الياء وفتح الغين والمعنى ما كان له أن ينسب إلى الخيانة، لان باب الافعال قد يجئ للنسبة فمعنى أغله: نسبه إلى الخيانة.
روى عن ابن عباسوسعيد بن جبير أنها نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من المغنم فقال بعضهم: لعل النبي صلى الله عليه وآله أخذها، فأنزل الله وما كان لنبي أن يغل، أي وما كان الله ليجعل نبيا غالا، وعن ابن عباس أن معناه ما كان لنبي أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر الله ويحكم بما أنزل الله عز وجل.
وقد كان ابن عباس ينكر على من يقرء قراءة ابن مسعود أن يغل - بضم الياء وفتح الغين - ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل، قال الله " ويقتلون الأنبياء بغير حق " ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وآله في شئ من الغنيمة فأنزل الله " وما كان لنبي أن يغل ".
ونقل عن مقاتل أنها نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز طلبا " للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله " من أخذ شيئا " فهو له " ولا يقسم كما لم يقسم يوم بدر ووقعوا في الغنائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أظنتم أنا نغل ولا نقسم لكم؟
فأنزل الآية.
واختار ابن هشام وابن إسحاق في السيرة ج 2 ص 117 أن معنى الغلول الاكتتام وقال: أي ما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس ولا رغبة و من يفعل ذلك يأت يوم القيامة به ثم يجزى بكسبه.
والظاهر بقرينة عموم قوله " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " وأنه لا يناسب اكتتام الوحي أن المراد بالغلول هو الخيانة والاختلاس بأن يأخذ الرجل شيئا " من المغنم ويدسه تحت ثيابه كما نص عليه الراغب.
وقوله " ما كان لنبي أن يغل " ليس يوهم أنه صلى الله عليه وآله كان بصدد ذلك فنهاه الله عز وجل حتى يؤول في معنى الكلمة تارة وفى قراءتها تارة أخرى، بل المراد نفى الشأنية كما ترى ذلك في سائر الآيات المصدرة بلفظ " ما كان ".
قال عز وجل: " وما كان الله ليضيع ايمانكم " البقرة: 143 " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " آل عمران: 76 " وما كان لنفس أن تموت الا بإذن الله " آل عمران: " 145 " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا " " النساء: 92 " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " براءة 113 " ما كان لرسول أن يأتي بآية الا بإذن الله " الرعد: 38 " ما كان لله أن يتخذ من ولد " الكهف: 35 إلى غير ذلك من الآيات المشابهة فكلها خطاب للمسلمين، يعلمهم أن ليس الشأن كما توهموا وقد أخطأوا حيث ظنوا أن ذلك جائز.
فمعنى الآية: ما كان من شأن نبي من الأنبياء فيما سبق - كيف بنبيكم محمد وهو خاتم الأنبياء - أن يغل من الغنائم، فلا تظنوا به ذلك، واعلموا أن من يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم يوفى هو مع كل نفس ما كسب وهم لا يظلمون، فلا تغلوا أنتم في الغنيمة وتقولوا أن ذلك جائز لكل أحد حتى للنبي صلى الله عليه وآله.
روى أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر فينادى في الناس " ردوا الخيط والمخيط فان الغلول عار وشنار يوم القيامة " فجاء رجل بكبة من مغزل شعر فقال: انى أخذتها لأخيط بردعة بعيري. فقال النبي صلى الله عليه وآله أما نصيبي منها فهو لك، فقال الرجل أما إذا بلغ الامر هذا المبلغ فلا حاجة لي فيها.