بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٦ - الصفحة ٢١٩
النساء: إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " (1)].
(١) النساء: ١٣٧. والآية تشهد بسياقها وسياق ما قبلها أنها خاصة بالذين آمنوا وتابوا عن شرك فطري قال: " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي انزل من قبل " من التوراة والإنجيل، وهذا يشهد بأنهم ما كانوا مؤمنين بالكتاب الذي أنزل من قبل " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر " وهذا أيضا يشهد بأنهم كانوا مشركين لا يقرون بالمعاد " فقد ضل ضلالا بعيدا " ".
ثم قال: " ان الذين آمنوا " أي بعد الشرك الفطري " ثم كفروا " وارتدوا " ثم آمنوا " أي رجعوا عن الارتداد وتابوا إلى الحق " ثم كفروا " وارتدوا ثانيا " ثم ازدادوا كفرا " بعدم التوبة أو الفرار إلى دار الشرك أو الفساد في الأرض " لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ".
فعلى هذا تقبل توبة المرتد إذا كان على فطرة الشرك مرتين: مرة بابتداء الدعوة واسترجاعه عن الشرك إلى الايمان لأول مرة، فان تاب وقبل الاسلام فهو، والا قتل حيث ظفر به، فايمانه هذا كايمان أهل الكتاب في دينهم من الانقلاع عن الشرك إلى التوحيد.
ومرة ثانية إذا ارتد عن الاسلام إلى الشرك، بمعنى أنه كفر بعد الايمان ودخل تحت قوله تعالى: " كيف يهدى الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا بأن الرسول حق " الخ، وقد كان جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها، الا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا.
فيجب على الامام أن يستتيبه كما فعل في أهل الكتاب لأول مرة حرفا " بحرف.
تحقيقا " لمعنى قوله تعالى " ثم آمنوا " حيث صدق ايمانهم بعد الكفر بعد الايمان، وقد ورد في الاستتابة أن ينظر ثلاثة أيام في الحبس ليرجع، فإن لم يرجع قتل كما كان يقتل في شركه الفطري مثل ما كان يفعل بأهل الكتاب إذا أصروا على كفرهم وجحودهم.
فأما إذا آمن ثانيا ثم كفر بعد ذلك، فلم تتعرض الآية لحاله بأنه هل يقبل ايمانه بعد ذلك أيضا " أولا يقبل، بل إنما تعرض لحال من كفر بعد ذلك وازداد كفرا، حيث قال، " لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " فإذا ارتدوا وزادوا في طغيانهم فلا ريب أنهم لا يستتابون ولا يمهلون بل يقتلون حيث ظفر بهم وتجب البراءة منهم، وأما إذا لم يزيدوا في طغيانهم، بل كفروا بالكفر الساذج فقد دخلوا في الشرك كما كانوا فيه أول مرة فان تاب من نفسه بمعنى أنه بادر إلى التوبة، يقبل توبته ظاهرا " ويوكل أمره إلى الله ومشيئة لعل الله يقبل توبته ولا نعلم، وان لم يتب ولم يبادر إلى التوبة فأمره مراعى ان شاء الامام استتابه وان لم يشأ لم يستتبه، فان تاب بعد الاستتابة فهو، وان لم يتب أولم يشأ أن يستتيبه قتله فإنه مشرك.
فقد فرق الله عز وجل بين المشرك عن فطرة وبين أهل الكتاب بأنه أهمل أمر المشرك في المرة الثانية من ارتداده وحكم في أهل الكتاب بعد قبول توبتهم في المرة الثانية.