بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٦ - الصفحة ٢٤٨
{100 باب} * (المعازف والملاهي) * الآيات: الجمعة: وإذا رأوا تجارة أو لهوا " انفضوا إليها وتركوك قائما " قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (1).
(١) الجمعة: ١١، ونقل الطبرسي في سبب النزول عن جابر بن عبد الله قال: أقبلت عير ونحن نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله الجمعة، فانفض الناس إليها، فما بقي غير اثنى عشر رجلا أنا فيهم فنزلت الآية " وإذا رأوا تجارة أو لهوا " الخ.
وفى الدر المنثور: أخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب الناس يوم الجمعة فإذا كان نكاح لعب أهله وعزفوا ومروا باللهو على المسجد وإذا نزل بالبطحاء جلب - قال: وكانت البطحاء مجلسا " بفناء المسجد الذي يلي بقيع الغرقد و كانت الاعراب إذا جلبوا الخيل والإبل والغنم وبضائع الاعراب نزلوا البطحاء - فإذا سمع ذلك من يقعد للخطبة قاموا للهو والتجارة وتركوه قائما " فعاتب الله المؤمنين لنبيه صلى الله عليه وآله فقال: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما " ".
وقال الطبرسي: وقال المقاتلان: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة بن فروة الكلبي ثم أحد بنى الخزرج ثم أحد بنى زيد بن مناة من الشام بتجارة وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق الا أتته.
وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق أو برأ وغيره فينزل عند أحجار الزيت - وهو مكان في سوق المدينة - ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا معه.
فقدم ذات جمعة - وكان ذلك قبل أن يسلم - ورسول الله صلى الله عليه وآله قائم على المنبر يخطب، فخرج الناس فلم يبق في المسجد الا اثنا عشر رجلا وامرأة.
فقال صلى الله عليه وآله: لولا هؤلاء لسومت عليهم الحجارة من السماء وأنزل الله هذه الآية.
أقول: والظاهر من الآية الشريفة - حيث أخذ ذلك وصفا " لهم - أن تلك الفعلة القبيحة تكررت منهم ثم نزلت الآية تعييرا " لهم، ويؤيد ذلك ما نقله في الدر المنثور عن البيهقي في شعب الايمان عن مقاتل بن حيان أنه قال: فبلغني - والله أعلم - أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات، وهكذا نقل الطبرسي في المجمع عن قتادة ومقاتل أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل يوم مرة لعير تقدم من الشام وكل ذلك يوافق يوم الجمعة.
والظاهر من قوله تعالى " تجارة أو لهوا " " حيث عطف اللهو على التجارة بأو، أن اللهو معدود باستقلاله كالتجارة وأن الانفضاض إلى اللهو حين خطبة الصلاة مذموم كما أن الانصراف إلى التجارة حينذاك مذموم، ولذلك قال بعده " وما عند الله خير من اللهو ومن التجارة " فعد اللهو في قبال التجارة.
وأما ما قيل: " ان اللهو شئ غير مقصود لذاته والمقصود لذاته التجارة وإنما خصت التجارة بعود الضمير إليها في قوله " انفضوا إليها " لأنها كانت أهم إليهم وهم بها أسر من الطبل، لان الطبل إنما دل على التجارة وقدوم العير " فليس على محله، فان ضرب الطبل وحدة قصدا " لاخبار الناس لا بأس به، وليس هو من اللهو، وإن كان مع ضرب الطبل معازف أخرى يستلذ بها الناس فهو لهو قطعا " لكنه موجب لانصراف الناس عن التجارة أيضا "، وما كان التجار ليفعلوا ذلك، كما لم ينقل.
فالمعول على حديث جابر حيث قال: " فإذا كان نكاح، لعب أهله وعزفوا ومروا باللهو على المسجد " وقد نقل عنه الطبرسي أن المراد باللهو المزامير.
فالمزامير وأمثالها من المعازف التي يكون الغرض منها ومن سماعها الاستلذاذ والتلهي مذموم بنفسها كما أن التجارة حين يخطب النبي صلى الله عليه وآله مذموم بنفسها، دعوا إليها بالطبل أولا، رأوها الناس بأعينهم من داخل المسجد وحيطانه أقصر من القامة، أو سمعوا جلبة الناس وغوغاءهم فعلموا بقدوم العير والتجارة، أي ذلك كان فهو مذموم.
هذا حكم التجارة حين يخطب النبي صلى الله عليه وآله وأما حين أذان الصلاة فهو منهى عنه لقوله تعالى " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ".