الأصوات، وسكنت الحركات، من الطير في الوكور، وقد نهنههم هول يوم القيامة بالوعيد عن الرقاد كما قال سبحانه: " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون " (1) فاستيقظوا لها فزعين، وقاموا إلى صلواتهم معولين، باكين تارة وأخرى مسبحين، يبكون في محاريبهم، ويرنون، يصطفون ليلة مظلمة بهماء يبكون.
فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياما على أطرافهم منحنية [ظهورهم، يتلون] أجزاء القرآن لصلواتهم قد اشتدت إعوالهم ونحيبهم وزفيرهم، إذا زفروا خيلت النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد صفدت في أعناقهم فلو رأيتهم في نهارهم إذا لرأيت قوما يمشون على الأرض هونا، ويقولون للناس حسنا " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وإذا مروا باللغو مروا كراما " (2) قد قيدوا أقدامهم من التهمات، وأبكموا ألسنتهم أن يتكلموا في أعراض الناس وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض، وكحلوا أبصارهم بغض البصر عن المعاصي وانتحوا دار السلام التي من دخلها كان آمنا من الريب والأحزان.
فلعلك يا أحنف شغلك نظرك في وجه واحدة تبدي الأسقام بغاضرة وجهها، و دار قد اشتغلت بنفس روأتها (3) ستور قد علقتها، والريح والآجام موكلة بثمرها وليست دارك هذه دار البقاء فأحمتك الدار التي خلقها الله سبحانه من لؤلؤة بيضاء ونشفق فيها أنهارها (4) [وغرس فيها أشجارها، وظلل عليها بالنضج من أثمارها] وكبسها بالعوابق من حورها، ثم أسكنها أولياءه وأهل طاعته.
فلو رأيتهم يا أحنف وقد قدموا على زيادات ربهم سبحانه، فإذا ضربت