بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت بالنار، فأوحى الله تعالى إليه: فهلا نملة واحدة؟! قال أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول: لم يعاتبه (1) على تحريقها، و إنما عاتبه لكونه أخذ البرئ بغير البرئ، وهذا النبي (2) هو موسى بن عمران عليه السلام وإنه قال: يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم وفيهم الطائع؟ وكأنه أحب أن يريه ذلك من عنده، فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها وعنده قرية نمل فغلبه النوم فلما وجد لذة النوم لذعته نملة فدلكهن بقدمه فأهلكهن وأحرق مسكنهن فأراه تعالى الآية في ذلك عبرة لما لذعته نملة، كيف أصيب الباقون بعقوبتها، يريد أن ينبهه على أن العقوبة من الله تعالى تعم الطايع والعاصي فتصير رحمة وطهارة و بركة على المطيع، وشرا ونقمة وعدوانا (3) على العاصي، وعلى هذا ليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل، فان من أذاك حل لك دفعه عن نفسك ولا أحد من خلق الله تعالى أعظم حرمة من المؤمن وقد أبيح لك دفعه عن نفسك بضرب أو قتل على ماله من المقدار فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت للمؤمن وسلط عليها (4) فإذا آذته أبيح له قتلها.
وقوله: " فهلا نملة واحدة " دليل على أن الذي يؤذي يقتل وكل قتل كان لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء، ولم يخص تلك النملة التي لذعت من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراد لقال: فهلا نملتك التي لذعتك، ولكن قال: " فهلا نملة " فكأن نملة تعم البرى والجاني وذلك ليعلم أنه أراد أن ينبهه لمسألة ربه في عذاب أهل قرية فيهم المطيع والعاصي.
وقد قيل: إن في شرع هذا النبي عليه الصلاة والسلام كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة، فلذلك إنما عاتبه الله تعالى في إحراق الكثير لا في أصل