خرجت الفراخ من البيض طردتها لأنها تخرج قبيحة المنظر جد إذ تكون صغار الاجرام عظام الرؤوس والمناقير جرد اللون (1) متفاوتات الأعضاء، فالأبوان ينكران الفراخ ويطيران لذلك ويتركانه (2) فيجعل الله قوته في الذباب والبعوض الكائن في عشه إلى أن يقوى وينبت ريشه فيعود إليه أبواه، وعلى الأنثى الحضن (3)، والذكران يأتيها بالطعم، وفي طبعه أنه لا يتعاطى الصيد، بل إن وجد جيفة أكلها وإلا مات جوعا أو يتقمقم كما يتقمقم صغار الطير، وفيه حذر شديد وتنافر والغداف يقاتل البوم و يخطف بيضها ويأكله، ومن عجيب أمره أن الانسان إذا أراد أن يأخذ فراخه تحتمل الأنثى (4) والذكر في أرجلهما حجارة ويتحلقان في الجو ويطرحان الحجارة عليه يريدان بذلك دفعه، والعرب تتشأم بالغراب، وغراب البين: الأبقع، وهو الذي فيه سواد وبياض وقال صاحب المجالسة: سمي بذلك لأنه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر إلى الماء فذهب ولم يرجع ولذلك تشأموا به، وذكر ابن قتيبة أنه سمي فاسقا لذلك أيضا (5).
ويقال: إذا صاح الغراب مرتين فهو شر، وإذا صاح ثلاث مرات فهو خير على قدر عدد الحروف (6).
وكان ابن عباس إذا نعق الغراب يقول: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك.
ويقال: إن الغراب يبصر من تحت الأرض بقدرة منقاره، وروي أن قابيل حمل أخاه ومشى به حتى أروح فلم يدر ما يصنع به فبعث الله غرابين قتل أحدهما الآخر.