قال حكيم من اليونانيين لتلامذته: كونوا كالنحل في الخلايا، قالوا: وكيف النحل؟ (1) قال: إنها لا تترك عندها بطالا إلا أبعدته وأقصته عن الخلية لأنه يضيق المكان ويفنى العسل، ويعلم النشيط الكسل.
والنحل يسلخ جلده كالحيات، وتوافقه الأصوات اللذيذة المطربة، ويضره السوس، ودواؤه أن يطرح في كل خلية كف ملح، وأن يفتح في كل شهر مرة و يدخن بأخثاء البقر.
وفي طبعه أنه متى طار من الخلية يرعى ثم يعود فتعود كل نحلة إلى مكانها لا تخطئه، وأهل مصر يحولون أبواب الخلايا في السفن ويسافرون بها إلى مواضع الزهر والشجر فإذا اجتمع في المرعى فتحت أبواب الخلايا فتخرج النحل منها و يرعى يومه أجمع فإذا أمسى عاد إلى السفينة وأخذت كل نحلة مكانها من الخلية لا تتخطاه (2).
وروى أحمد وابن أبي شيبة والطبراني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: المؤمن كالنحلة تأكل طيبا وتضع طيبا وقعت فلم تكسر ولم تفسد. وفي شعب البيهقي عن مجاهد قال: صاحبت عمر من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا الحديث: إن مثل المؤمن كمثل النحلة إن صاحبته نفعك وإن شاورته نفعك وإن جالسته نفعك وكل شأنه منافع وكذلك النحلة كل شأنها منافع.
قال ابن الأثير: وجه المشابهة بين المؤمن والنحلة، حذق النحل وفطنته وقلة أذاه وحقارته ومنفعته وقنوعه وسعيه في النهار وتنزهه عن الأقذار وطيب أكله، و أنه لا يأكل من كسب غيره ونحوله، وطاعته لاميره، وللنحل آفات (3) تقطعه عن عمله، منها الظلمة والغيم والريح والدخان والماء والنار وكذلك المؤمن له آفات