وأظنه أخذ هذا المعني من قول أبي تمام في قصيدة يمدح بها المعتصم ويذكر فتح الحرمية لولا الظلام وقلة علقوا بها * باتت رقابهم بغير قلال فليشكروا جنح الظلام ودروزا * فهم لدروز والظلام موالي وقد أخطأ الصولي في تفسير بيت أبي نواس بأن البواقيل سفن صغار لأن البواقيل جمع بوقال وهو آلة على هيئة الكوز معروفة تعمل من الزجاج وغيره. وهذا مثل قول ابن الرومي أمر به في الكوز مر المجانب وإنما أراد أنني لا أمر بماء النيل إلا إذا أردت شربه في كوز أو بوقال وما أشبه ذلك وأظن أنه استمر عليه الوهم من جهة قوله فما أري النيل وصرف ذلك إلى أنه أراد النيل على الحقيقة وإنما أراد ماء النيل وما علمت أن السفن الصغار يقال لها بواقيل إلا من قول الصولي هذا ولو كان ما ذكره صحيحا من أن ذلك اسم لصغار السفن لكان بيت أبي نواس بما ذكرناه أشبه وأليق وأدخل في معني الشعر وكيف يدخل الشبهة في ذلك مع قوله - فمن رأي النيل رأى العين من كثب - ومن رأى النيل في السفن فقد رآه من كثب ومن رأى ماءه في الآنية على بعد فلا يكون رائيا له من كثب. فأما مدح الشيب وتفضيله على الشباب فقد قال فيه الناس وأكثروا فمما تقدم من ذلك قول رؤبة بن العجاج ويقال ان رؤبة لم يقل من القصيدة إلا هذين البيتين أيها الشامت المعير بالشيب * أقلن بالشباب افتخارا قد لبست الشباب غضا جديدا * فوجدت الشباب ثوبا معارا ولعلي بن جبلة جفى طرب الفتيان وهو طروب * وأعقبه قرب الشباب مشيب تجافت عيون البيض عنه وربما * مددن إليه الوصل وهو حبيب
(٥٤)