قريش كانوا إذا أحرموا في غير الأشهر الحرم لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ودخلوها من ظهورها إذا كانوا من أهل الوبر وإذا كانوا من أهل المدر نقبوا في بيوتهم ما يدخلون ويخرجون منه ولم يدخلوا ولم يخرجوا من أبواب البيوت فنهاهم الله تعالى عن ذلك وأعلمهم انه لا معنى له وانه ليس من البر وان البر غيره.. وثالثها وهو جواب أبي عبيدة معمر بن المثنى ان المعنى ليس البر بان تطلبوا من غير أهله وتلتمسوه من غير بابه وأتوا البيوت من أبوابها معناه اطلبوا الخير من وجهه ومن عند أهله.. ورابعها وهو جواب أبى على الجبائي أن يكون الفائدة في هذا الكلام ضرب المثل وأراد ليس البر أن يأتي الرجل الشئ من خلاف جهته لأن إتيانه من خلاف جهته يخرج الفعل عن حد الصواب والبر إلى الاثم والخطأ وبين البر والتقوى وأمر باتيان الأمور من وجوهها وان تفعل على الوجوه التي لها وجبت وحسنت وجعل تعالى ذكر البيوت وظهورها وأبوابها مثلا لأن العادل عن الأمر عن وجهه كالعادل في البيت عن بابه .. وخامسها أن تكون البيوت كناية عن النساء ويكون المعني وأتو النساء من حيث أمركم الله والعرب تسمي المرأة بيتا.. قال الشاعر مالي إذا أنزعها صأيت * أكبر غيرني أم بيت أراد بالبيت المرأة.. ومما يمكن أن يكون شاهدا للجواب الذي حكيناه عن أبي على الجبائي والجواب عن أبي عبيدة أيضا ما أخبرنا به أبو القاسم أحمد بن يحيى النحوي قال أنشدنا ابن الاعرابي إني عجبت لأم العمر إذ هربت * من شيب رأسي وما بالشيب من عار ما شقوة المرء بالإقتار يقتره * ولا سعادته يوما بإكثار إن الشقي الذي في النار منزله * والفوز فوز الذي ينجو من النار
(٤٥)