(195) قوله (لما كان لتخصيصه النفي معنى يعقل) ما ذكره قده في هذا الدليل يتوقف على أمرين الأول حجية مفهوم الزمان كما إذا قيل ما رأيت زيدا فيما مضى فيكون مفهومه إثبات الرؤية فيما سيأتي أو في زمان الحال، وهذا محل خلاف بين الأصوليين.
الثاني أن لا يكون للتقييد بالزمان فائدة غير الانتفاء عند الانتفاء، وهنا ليس كذلك، فإن الذي يثبت به كون القرآن من عند الله لا من قبل نفسه (ص) و لا يتعلم من عالم هو حاله قبل الإتيان بالقرآن، فإنه إذ أثبت أنه قبل البعثة وقبل أن يأتي بالقرآن والشريعة لم يكن يقرء ولا يكتب ولا شئ مما يوجد في العلماء العاديين من قراء الكتب وكتابتها، يثبت أن ما أتى به من عند الله، إذ التعلم عند البشر يحتاج إلى القراءة والكتابة، فإذا انتفيا انتفى التعلم وكون العلم الموجود عنده من عند غير الله فيثبت كونه من عند الله (تعالى) وتعليمه ويصح ما ذكره (تعالى) بقوله (إذا لارتاب المبطلون) وأما القراءة والكتابة المتأخرة عن النبوة والقرآن فلا دخل لهما في ثبوت نبوته (ص) ونفيه إذ هي قد تثبت فإن أثبتنا القراءة والكتابة بعد النبوة فتكون بتعليم الله (تعالى) وإن انتفتا كان أيضا على حسب ما رآه الله من المصلحة ولا يثير شكا.
وهذا الفرق يوجب المصلحة في تقييد نفي القراءة والكتابة في الآية بكلمة (من قبله) من دون أن تكون فائدته إثبات المفهوم لها بل فائدته قوله (تعالى) (إذا لارتاب المبطلون) ولا يصح قياسه بالشعر فإن المنفي مطلق الشعر، والعلة عدم كونه لائقا بشأنه مطلقا فينتفي مطلقا.