تغيرات واستحالات فيها.
الثانية: أن يطلع على الغائبات وعلى أمور غير معلومة بسبب صفاء جوهر نفسه بغير تعليم وتعلم، واعتلوا في ذلك بأن النفوس منقسمة إلى ما يحتاج إلى التعليم وإلى ما لا يحتاج إلى التعليم، فإنا نشاهد عيانا تفاوت الأشخاص في استنتاج النتائج ودرك الحقائق. فكم من متعلمين في مدة واحدة يسبق أحدهما الآخر بحقائق العلوم مع قلة اجتهاده عن جهد المسبوق بفرط الذكاء وشدة الحدس، فالزيادة في هذا من الممكن إلى أن يترقى إلى حد في الكمال يستغني عن التعلم باتصال نفسه بالمبادئ العالية والعقول التي زعموا أن صور الموجودات العلمية كلا منطبقة فيها، فيحصل له بسبب ذلك الاتصال الاطلاع على الأمور الغائبة.
الثالثة: أن يتصل بسبب قوه النفس إلى العوالم العلوية فيسمع كلام الله ويرى ملائكة الله، وقالوا إن النفس يمكن أن تتقوى بحيث تتصل إلى عالم الغيب وتحاكي المتخيلة ما أدركت هناك بصور جميلة وأصوات مستحسنة فيرى في اليقظة صورة محاكية للجوهر الشريف في غاية الحسن وهو الملك الذي يراه النبي (ص) وتتمثل المعارف المفاضة على النفس من تلك العقول العلوية بالكلام الحسن المنظوم فيسمع الكلام الموحى إليه من الله تعالى، وزعموا أن هذه الخواص الثلاثة تحصل للنفوس الانسانية بتكامل قوتيه النظرية والعملية بالعلوم والمعارف والرياضات والمجاهدات النفسانية وتقليل الشواغل والعوائق البدنية فتستعد بذلك لاستحقاق المرتبة العالية والدرجة الرفيعة.
وهذا ظاهر لمن راجع كتب القوم ومؤلفاتهم كمؤلفات ابن سينا وغيره ومن لخص أقاويلهم وتعرض لنقلها لأجل الرد عليهم كالغزالي وأمثاله، وأما مخالفة أهل التناسخ فإنهم لما جعلوا علة تكرر حلول النفس الانسانية في الهياكل والصور المختلفة مبنيا على مقادير أعمالهم الحسنة والسيئة في الدور الأول، وزعموا أن ذلك من جهة