بمعنى اطلاق عنان العبد وارساله بحيث يقدر امضاء ما شاء وأراد، من دون تقدير وقضاء في أفعاله ولو لم يكن مستقلا في فعله، لأنه اهمال للحكمة ومناف لمصلحة نظام الكل، فوجب في الحكمة لأجل امتحانه وافتتانه اطلاق عنانه مع تقدير وقضاء في أفعاله، بحيث لا يقدر على ما يتجاوز إلى ما يخالف الحكمة ومصلحة نظام الكل، وهذا معنى امر بين الامرين والمنزلة بين المنزلتين.
وبما بيناه تبين ان القضاء والقدر جاريان في افعال العباد كما يجريان في سائر شؤونهم، ولا يوجبان اجبارهم على فعل ما قدر لهم وإنما يوجبان منعهم عما لم يقدر لهم، وما ورد في بعض الأدعية من مساعدة القضاء على ما يرتكبه العبد من العصيان إنما هي من جهة امهاله واطلاق عنانه وعدم منعه عما قدر له.
فان قلت: الإرادة من جملة افعال العباد والأشياء الحادثة منه، والشئ ما لم يجب لم يوجد، فما لم تجب الإرادة لم توجد في الخارج، وإذا وجبت لم يكن الشخص مختارا في الإرادة والفعل المنبعث عنها.
قلت: إرادة العبد فعلا من أفعاله عبارة عن اعمال اختياره فلا يعقل ان تصير واجبة خارجة عن تحت اختياره، وقضية الشئ ما لم يجب لم يوجد لا تجرى في الإرادة كما هو ظاهر، وإنما تحدث الإرادة في النفس بسبب الدواعي لا بالعلة الموجبة، ضرورة ان الوجوب إنما يجرى في المحل القابل له والإرادة لا تقبل الوجوب.
والحاصل ان كل فعل منبعث عن إرادة الفاعل فهو اختياري وكل فعل لا ينبعث عنها فهو اضطراري، فمالك اختيارية الفعل هي الإرادة فلا يعقل جريان الاضطرار فيها.