السابق عليه إنما يكون مقدمة، فكذلك المفاهيم الانشائية في العقود والايقاعات إنما تتحقق بحدوث الانشاء في الخارج على وجه الانتزاع وما في النفس لا يكون الا مقدمة ولو كان الامر كما توهم من أنها أمور اعتبارية ذهنية لا وجود لها في الخارج أصلا حتى على وجه الانتزاع لزم ان يترتب عليها الآثار، سواء تحقق في الخارج ما يبرزها ويكشف عنها أم لا، وأيضا لو تنزلنا وقلنا بلزوم وجود مبرز وكاشف عنها في ترتيب الآثار لزم جواز الاكتفاء بالقضية الخبرية في ترتيب الآثار، إذ لا فرق بينها وبين القضية الانشائية حينئذ في تحقق ابراز ما في الضمير بهما.
فان قلت: نعم مقتضى الميزان ترتب الآثار على ما في الضمير مطلقا سواء تحقق مبرز في الخارج أم لا، وسواء كان المبرز انشاءا أم اخبارا ولكن لا مانع من تقييد الشارع ترتيب الأثر عليه على وجود مبرز مخصوص في الخارج.
قلت: عدم ترتيب الأثر على ما في الضمير من دون انشاء ليس شرعيا تعبديا حتى ينسب التقييد إلى الشارع، بل هو امر عرفي واقعي ثابت في حد نفسه، ومن المعلوم ان الكاشف في حد نفسه طريق إلى الواقع ولا موضوعية له، فعدم ترتب الأثر عليه الا بعد تحقق الانشاء في الخارج قولا أو فعلا كاشف عن عدم تماميته الا بالانشاء وعدم تماميته الا به يدل على ما بيناه من انتزاعه منه.
ثم إن ما ذكره من الفرق بين الخبر والانشاء - من أن الأول كاشف عن الخارج والثاني كاشف عما في الضمير - ان أريد منه ان الكلام مطلقا ناظر إلى الكشف عن مفهومه وينقسم إلى قسمين باعتبار اختلاف المكشوف عنه، فإن كان كاشفا عنه بقيد كونه في الخارج فهو خبر، وإن كان كاشفا عنه بقيد كونه في النفس فهو انشاء، فهو باطل جدا، لان الكلام المجعول في وزان الواقع والناظر إلى الكشف عن مفهومه خبر سواء جعل ناظرا إلى الكشف عما في الضمير كمقام الافتاء والشهادة واظهار الحياة، أم إلى الخارج كما هو الشائع الغالب في الاستعمالات