والثاني: انه لو كانت الشقاوة ذاتية لزم ان لا يستحق العقاب على ما يلزمها من الكفر والعصيان، لخروجهما عن اختياره حينئذ، ولا يصلحه ان الذاتي لا يعلل والثالث: انه كما يكون وجود الممكن فعلا للواجب تعالى شأنه ومستندا إليه فكذلك الماهيات من الانسانية والحجرية والشجرية، وهكذا من الماهيات ولوازمها لأنها تعينات للوجود ولا يعقل صدور الوجود من دون تعينات فلو كانت السعادة والشقاوة ذاتيتين للسعيد والشقي بحيث لا يمكنهما التخلف عنهما وأوجدهما الله تعالى بهاتين الصفتين لزم استنادهما إليه، وان تكونا فعلين له تعالى شأنه فيعود الاشكال وما اشتهر من: " ان الله تعالى لم يجعل المشمشة مشمشة بل أوجدها ".
ان أريد منه انها لم تجعل بجعل تأليفي بل جعلت بجعل بسيط فهو كذلك.
وان أريد منه انها لا تكون مجعولة أصلا وان الماهيات أعيان ثابتة - كما نسب إلى بعض - فهو باطل جدا، و بالجملة ما ذكره زلة فاضحة لا ينبغي الاصغاء إليه.
فان قلت: ما معنى الرواية الشريفة حينئذ.
قلت الرواية نبوية وقد فسرت في رواية أهل البيت عليه السلام بان المراد منها انه علم الله تعالى انه سيسعد وهو في بطن أمه وانه سيشقى وهو في بطن أمه.
والجواب عن الشبهة الرابعة ان عدم جواز تخلف العبد عن علم الباري تعالى شأنه لا يوجب اضطرار العبد في فعله، لان العلم عبارة عن انكشاف المعلوم على ما هو عليه عند العالم، فلا يعقل تأثيره في المعلوم وصيرورته اضطراريا بواسطة تعلق العلم به فإن كان المعلوم مع قطع النظر عن تعلق العلم به اختياريا فهو بلحاظ تعلق العلم به اختياري أيضا ولا يعقل انقلابه إلى الاضطراري بواسطة تعلق العلم به والا لزم عدم مطابقة العلم مع المعلوم.
واما التفويض بمعنى ارسال عنان العبد واطلاقه بحيث يكون العبد مستقلا بمعنى انه ان شاء فعل سواء شاء الله ذلك أو شاء عدم وقوعه فهو باطل بالضرورة، إذ قدرته إنما هي بمشية الباري تعالى شانه فلا يعقل استقلاله فيها، وكذلك التفويض