من منشأها مع قطع النظر عن جعل الشرع، نعم للشارع هدم هذا الانتزاع وابطاله كما سنبين لك انشاء الله تعالى.
وقد يكون مجعولا بحيث لا يترتب عليه واقعا من دون جعل الشارع، كانتزاع الحدث والطهارة من أسبابها فان المترتب على الغسل والوضوء واقعا إنما هي النظافة الظاهرية كما أن المترتب على البول وانزال المنى هي الخباثة الظاهرية، وانتزاع الطهارة الشرعية والحدث الأصغر والأكبر منها إنما هو بجعل الشارع، وانتزاع العقود من الانشاءات من قبيل الأول، ضرورة ان الانشاء كالاخبار امر عرفي وجهة واقعية، فكما ان ترتب كشف المفهوم على الكلام الخبري امر واقعي عرفي لا يكون مجعولا لاحد، فكذا ترتب حدوث المفهوم على الكلام الانشائي، وهذا ظاهر جدا.
فما يظهر من بعض من أن العقد حكم شرعي لا يحكم به الا بعد قيام الدليل عليه بمكان من الوهن، نعم قد يكون العقد موضوعا للحكم الشرعي وكأنه اختلط عليه امر الموضوع بالمحمول وإذا اتضح لك ان العقود واقعية وافعال غير مجعولة تتولد من الايجاب والقبول ذاتا فاعلم أن انعقادها وانتزاعها من منشأها إنما يكون بعد وقوعها في المحل واستنادها إلى أهلها فالحكم بالصحة والنفوذ إنما يكون بعد اجتماع أمور ثلاثة تحقق منشأ انتزاع العقد ووقوعه في محله وصدوره من أهله.
وتوضيح الكلام فيه غاية الايضاح يتوقف على بسط الكلام في كل من الأمور الثلاثة وبيان ما يعتبر فيها عرفا وشرعا.
فأقول بعون الله تعالى ومشيته: يعتبر في الأمر الأول عرفا وشرعا الايجاب والقبول ما إذا كان العقد لازما ذاتا، أو كان من قبيل الهبة والنكاح ولا بد من توصلهما وتوليهما حينئذ لأنهما بمنزلة امر واحد في مرحلة انتزاع العقد منهما فلا مجال لانتزاعه منهما مع انفصال أحدهما عن الاخر بما يخرج عن الاتحاد.