الخصومة اعلام القاضي بما يملكه المخاصم واستماعه واجتماع الوكيلين على ذلك يخل بالأعلام والاستماع لان ازدحام الكلام يخل بالفهم فكان إضافة التوكيل إليهما تفويضا للخصومة إلى كل واحد منهما فأيهما خاصم كان تمثيلا الا انه لا يملك أحدهما القبض دون صاحبه وإن كان الوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا لان اجتماعهما على القبض ممكن فلا يكون راضيا بقبض أحدهما بانفراده (وأما) المضار بان فلا يملك أحدهما التصرف بدون اذن صاحبه إجماعا وفى الوصيين خلاف بين أصحابنا نذكره في كتاب الوصية والله تعالى أعلم الوكيل هل يملك الحقوق جملة الكلام فيه ان الموكل به نوعان نوع لا حقوق له الا ما أمر به الموكل كالوكيل بتقاضي الدين والتوكيل بالملازمة ونحوه ونوع له حقوق كالبيع والشراء والنكاح والخلع ونحوه (اما) التوكيل بالبيع والشراء فحقوقها ترجع إلى الوكيل فيسلم المبيع ويقبضه ويقبض الثمن ويطالب به ويخاصم في العيب وقت الاستحقاق والأصل ان كل عقد لا يحتاج فيه إلى إضافة إلى الموكل ويكتفى فيه بالإضافة إلى نفسه فحقوقه راجعة إلى العاقد كالبياعات والأشربة والإجارات والصلح الذي هو في معنى البيع فحقوق هذه العقود ترجع للوكيل وعليه ويكون الوكيل في هذه الحقوق كالمالك والمالك كالا جنبي حتى لا يملك الموكل مطالبة المشترى من الوكيل بالثمن ولو طالبه فأبى لا يجبر على تسلم الثمن إليه ولو أمره الوكيل بقبض الثمن ملك المطالبة وأيهما طالب المشترى بالثمن يجبر على التسليم إليه ولو نهاه الوكيل عن قبض الثمن صح نهيه ولو نهى الموكل الوكيل عن قبض الثمن لا يعمل نهيه غيران المشترى إذا نقد الثمن إلى الموكل يبرأ عن الثمن استحسانا وكذا الوكيل هو المطالب بتسليم المبيع إذا نقد المشترى الثمن ولا يطالب به الموكل وإذا استحق المبيع في يد المشترى يرجع بالثمن على الوكيل إن كان نقد الثمن إليه وإن كان نقده إلى الموكل يرجع الثمن عليه وكذا إذا وجد المشترى بالمبيع عيبا له أن يخاصم الوكيل وإذا أثبت العيب عليه ورده عليه بقضاء القاضي أخذ الثمن من الوكيل إن كان نقده الثمن وإن كان نقده إلى الموكل أخذه منه وكذا الوكيل بالشراء هو المطالب بالثمن دون الموكل وهو الذي يقبض المبيع دون الموكل وإذا استحق المبيع في يده فهو الذي يتولى الرجوع بالثمن على بائعه دون الموكل ولو وجد بالمبيع عيبا إن كان المبيع في يده ولم يسلمه إلى الموكل بعد فله أن يرده على بائعه بالعيب وإن كان قد سلمه إلى موكله ليس له أن يرده عليه الا برضا موكله وكذلك هذا في الإجارة والاستئجار وأخواتهما وكل عقد يحتاج فيه إلى اضافته إلى الموكل فحقوقه ترجع إلى الموكل كالنكاح والطلاق على مال والعتاق على مال والخلع الصلح عن دم العمد والكتابة والصلح عن انكار المدعى عليه ونحوه فحقوق هذه العقود تكون للموكل وعليه والوكيل فيها يكون سفيرا ومعبرا محضا حتى أن وكيل الزوج في النكاح لا يطالب بالمهر وإنما يطالب به الزوج الا إذا ضمن المهر فحينئذ يطالب به لكن بحكم الضمان ووكيل المرأة في النكاح لا يملك قبض المهر وكذا الوكيل بالكتابة والخلع لا يملك قبض بدل الكتابة والخلع إن كان وكيل الزوج وإن كان وكيل المرأة لا يطالب ببدل الخلع الا بالضمان وكذا الوكيل بالصلح عن دم العمد وهذا الذي ذكرنا ان حقوق العقد في البيع والشراء وأخواتهما ترجع إلى الوكيل مذهب علمائنا وقال الشافعي رحمه الله لا يرجع شئ من الحقوق إلى الوكيل وإنما يرجع إلى الموكل (وجه) قوله إن الوكيل متصرف بطريق النيابة عن الموكل وتصرف النائب تصرف المنوب عنه ألا ترى ان حكم تصرفه يقع للموكل فكذا حقوقه لان الحقوق تابعة للحكم والحكم هو المتبوع فإذا كان الأصل له فكذا التابع (ولنا) ان الوكيل هو العاقد حقيقة فكانت حقوق العقد راجعة إليه كما إذا تولى الموكل بنفسه ولا شك ان الوكيل هو العاقد حقيقة لان عقد كلامه القائم بذات حقيقة ويستحيل أن يكون الانسان فاعلا بفعل الغير حقيقة وهذه حقيقة مقررة بالشريعة قال الله عز وجل وأن ليس للانسان الا ما سعى وقال الله عز شأنه لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وكان ينبغي أن يكون أصل الحكم له أيضا لان السبب وجد منه حقيقة وشرعا الا ان الشرع أثبت أصل الحكم للموكل لان الوكيل إنما فعله له بأمره وانابته وفعل المأمور مضاف إلى الآمر فتعارض الشبهان فوجب اعتبار هما بقدر الامكان فعملنا بشبه الآمر والإنابة بايجاب أصل الحكم للموكل ونسبة الحقيقة المقررة بالشريعة
(٣٣)