حق العبد لقدر على ابطاله كالرق وإذا كان حق الله تعالى فالناس في اثبات حقوقه خصوم عنه بطريق النيابة لكونهم عبيده فكان حضرة الواحد كحضرة الكل والقضاء على الواحد قضاء على الكل لاستوائهم في العبودية كالورثة لما قاموا مقام الميت في اثبات حقوقه والدفع عنه لكونهم خلفاءه فقام الواحد منهم مقام الكل لاستوائهم في الخلافة بخلاف الملك فإنه خالص حق العبد فالحاضر فيه لا ينتصب خصما عن الغائب الا بالإنابة حقيقة أو بثبوت النيابة عنه شرعا واتصال بين الحاضر والغائب فيما وقع فيه الدعوى على ما عرف ولم يوجد شئ من ذلك فالقضاء على غيره يكون قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وهذا لا يجوز ولو شهد الشهود ان هذه الحنطة من زرع حصد من أرض هذا الرجل لم يكن لصاحب الأرض أن يأخذها لأنه يحتمل أن يكون البذر لغيره وملك الزرع يتبع ملك البذر لاملك الأرض ألا ترى ان الأرض المغصوبة إذا زرعها الغاصب من بذر نفسه كانت الحنطة له لو شهدوا ان هذه الحنطة من زرع هذا أو هذا التمر من نخل هذا يقضى له لان ملك الحنطة والتمر يتبع ملك الزرع والنخل ولو قالوا هذه الحنطة من زرع كان من أرضه لم يقض له لأنهم لو شهدوا انه حصد من أرضه لم يقض له فهذا أولى ولو شهدوا أن هذا اللبن وهذا الصوف خلاب شاته وصوف شاته لم يقض له لجواز أن تكون الشاة له وحلابها وصوفها لغيره بأن أوصى بذلك لغيره هذا الذي ذكرنا كله في دعوى الخارج الملك فاما دعوى الخارجين على ذي اليد الملك فنقول لا تخلو في الأصل من أحد وجهين اما ان يدعى كل واحد منهما قدر مال يدعى الاخر واما ان يدعى أكثر مما يدعى الآخر فان ادعى كل واحد منهما قدر ما يدعى الآخر فهو على التفصيل الذي ذكرنا أيضا وهوان البينتين اما ان قامتا على ملك مطلق عن الوقت واما ان قامتا على ملك موقت واما ان قامت إحداهما على ملك مطلق والأخرى على ملك موقت وكل ذلك بسبب أو بغير سبب فان قامت البينتان على ملك مطلق من غير سبب فإنه يقضى بالمدعى بينهما نصفان عند أصحابنا وللشافعي رحمه الله قولان في قول تتهاتر البينتان ويترك المدعى في يد صاحب اليد وفى قول يقرع بينهما فيقضى لمن خرجت له القرعة منهما وجه قول الشافعي رحمه الله ان العمل بالبينتين متعذر لتناف بين موجبهما لاستحالة كون العين الواحدة مملوكة لاثنين على الكمال في زمان واحد فيبطلان جميعا إذ ليس العمل بإحداهما أولى من العمل بالأخرى لاستوائهما في القوة أو ترجح إحداهما بالقرعة لورود الشرع بالقرعة في الجملة (ولنا) ان البينة دليل من أدلة الشرع والعمل بالدليلين واجب بالقدر الممكن فان أمكن العمل بهما من كل وجه يعمل من كل وجه وان لم يمكن العمل بهما من كل وجه يعمل بهما من وجه كما في سائر دلائل الشرع من ظواهر الكتاب والسنن المشهورة وأخبار الآحاد والأقيسة الشرعية إذا تعارضت وهنا ان تعذر العمل بالبينتين باظهار الملك في كل المحل أمكن العمل بهما باظهار الملك في النصف فيقضى لكل واحد منهما بالنصف ولو قامتا على ملك موقت من غير سبب فان استوى الوقتان فكذلك الجواب لأنه إذا لم يثبت سبق أحدهما بحكم التعارض سقط التاريخ والتحق بالعدم فبقي دعوى الملك المطلق وإن كان وقت أحدهما أسبق من الآخر فالأسبق أولى بالاجماع ولا يجئ هنا خلاف محمد رحمه الله لان البينة من الخارج مسموعة بلا خلاف والبينتان قامتا من الخارجين فكانتا مسموعتين ثم ترجح إحداهما بالتاريخ لأنها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى فيؤمر بالدفع إليه إلى أن يقوم الدليل على أنه بأي طريق انتقل إليه الملك وان أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى من غير سبب يقضى بينهما نصفين عند أبي حنيفة ولا عبرة للتاريخ وعند أبي يوسف يقضى لصاحب الوقت وعند محمد يقضى لصاحب الاطلاق وجه قول محمد ان البينة القائمة على الملك المطلق أقوى لان الملك المطلق ملكه من الأصل حكما ألا ترى انه يظهر في الزوائد وتستحق به الأولاد والاكساب وهذا حكم ظهور الملك من الأصل ولا يستحق ذلك بالملك الموقت فكانت البينة القائمة عليه أقوى فكان القضاء بها أولى (وجه) قول أبى يوسف رحمه الله ما ذكرنا ان البينة المؤرخة تظهر الملك في زمان لا تعارضها فيه البينة المطلقة عن التاريخ
(٢٣٦)