قوله تعالى لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة انه لما لم يمكن العمل بعمومه لثبوت المساواة بين المسلم والكافر في أشياء كثيرة حمل على الخصوص وهو نفى المساواة بينهما في العمل في الدنيا أو في الجزاء في الآخرة كذا هذا فان نوى مع ذلك اللباس أو امرأته فالتحريم واقع على جميع ذلك وأي شئ من ذلك فعل وحده لزمته الكفارة لان اللفظ صالح لتناول كل المباحات وإنما حملناه على الطعام والشراب بدليل العرف فإذا نوى شيئا زائد على المتعارف نوى بما يحتمله لفظه وفيه تشديد على نفسه فيقبل قوله فإذا نوى شيئا بعينه دون غيره بان نوى الطعام خاصة أو الشراب خاصة أو اللباس خاصة أو امرأته خاصة فهو على ما نوى فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء لما ذكرنا ان هذا اللفظ متروك العمل بظاهر عمومه ومثله يحمل على الخصوص فإذا قال أردت واحدا بعينه دون غيره فقد ترك ظاهر لفظ هو متروك الظاهر فلم يوجد منه العدول فيصدق وان قال كل حل على حرام ونوى امرأته كان عليها وعلى الطعام والشراب لان الطعام والشراب دخلا تحت ظاهر هذا اللفظ ولم ينفهما بنيته فبقيا داخلين تحت اللفظ بخلاف الفصل الأول لأنه هناك نوى امرأته خاصة ونفى الطعام والشراب بنيته فلم يدخلا وههنا لم ينف الطعام والشراب بنيته وقد دخلا تحت اللفظ فبقيا كذلك ما لم ينفيا بالنية وان نوى في امرأته الطلاق لزمه الطعام فيها فان أكل أو شرب لم تلزمه الكفارة لان اللفظ الواحد لا يجوز حمله على الطلاق واليمين لاختلاف معنييهما واللفظ الواحد لا يشتمل على معنيين مختلفين فإذا أراد به في الزوجة الطلاق الذي هو أشد الامرين وأغلظهما لا يبقى الآخر مرادا وكذا روى عن أبي يوسف ومحمد في رجل قال لامرأتين له أنتما على حرام يعنى في إحداهما الطلاق وفي الأخرى الايلاء فهما طالقان جميعا لما ذكرنا ان اللفظ الواحد لا يحتمل معنيين مختلفين فإذا أرادهما بلفظ واحد يحمل على أغلظهما ويقع الطلاق عليهما ولو قال هذه على حرام ينوى الطلاق وهذه على حرام ينوى الايلاء كان كما نوى لأنهما لفظان فيجوز ان يراد بأحدهما خلاف ما يراد بالآخر وعن أبي يوسف فيمن قال لامرأتيه أنتما على حرام ينوى في إحداهما ثلاثا وفي الأخرى واحدة انهما جميعا طالقان ثلاثا لان حكم الواحدة البائنة خلاف حكم الثلاث لان الثلاث يوجب الحرمة الغليظة واللفظ الواحد لا يتناول معنيين مختلفين في حالة واحدة فإذا نواهما يحمل على أغلظهما وأشدهما وقال ابن سماعة في نوادره سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال ما أحل الله على حرام من مال وأهل ونوى الطلاق في أهله قال ولا نية له في الطعام فان أكل لم يحنث لما قلنا قال وكذلك لو قال هذا الطعام على حرام وهذه ينوى الطلاق لان اللفظة واحدة وقد تناولت الطلاق فلا تتناول تحريم الطعام وقالوا فيمن قال لامرأته أنت على كالدم أو الميتة أو لحم الخنزير أو كالخمر انه يسئل عن نيته فان نوى كذبا فهو كذب لان هذا اللفظ ليس صريحا في التحريم ليجعل يمينا فيصدق انه أراد به الكذب بخلاف قوله أنت على حرام فإنه صريح في التحريم فكان يمينا وان نوى التحريم فهو ايلاء لأنه شبهها بما هو محرم فكأنه قال أنت حرام وان نوى الطلاق فالقول فيه كالقول فيمن قال لامرأته أنت على حرام ينوي الطلاق وروى ابن سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته ان فعلت كذا فأنت أمي يريد التحريم قال هو باطل لأنه لم يجعلها مثل أمه ليكون تحرما وإنما جعلها أمه فيكون كذبا قال محمد ولو ثبت التحريم بهذا الثبت إذا قال أنت حواء وهذا لا يصح وقال ابن سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته أنت معي حرام فهو مثل قوله أنت على حرام لأن هذه الحروف يقام بعضها مقام بعض والله تعالى أعلم (فصل) وأما شرائط ركن الايلاء فنوعان نوع هو شرط صحته في حق حكم الحنث ونوع هو شرط صحته في حق حكم البر وهو الطلاق أما الأول فموضع بيانه كتاب الايمان لان الايلاء يساوي سائر الايمان في حق أحد الحكمين وهو حكم الحنث وإنما يخالفها في حق الحكم الآخر وهو حكم البر لأنه لا حكم لسائر الايمان عند تحقق البر فيها وللايلاء عند تحقق البر حكم وهو وقوع الطلاق إذ هو تعليق الطلاق البائن شرعا بشرط البر كأنه قال إذا مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق بائن فنذكر الشرائط المختصة به في حق هذا الحكم وهو الطلاق فنقول لركن
(١٧٠)