أمور تشتبه فإن لم في معنى فلم يحمل على معظم معاني كلام الناس ولو قال إن أتيني فلم آتك أو ان زرتني فلم أزرك أو ان أكرمتني فلم أكرمك فهذا على الأبد وهو في هذا الوجه مثل فإن لم لان الزيارة لا تتعقب الزيارة عادة فكان المقصود هو الفعل فان قيل أتيتني فلم آتك فالامر في هذا مشتبه قد يكون بمعنى ان لم آتك قبل اتيانك وقد يكون بمعنى ان لم آتك بعد اتيانك فكان محتملا للامرين فيحمل على ما كان من الغالب من معاني كلام الناس عليه فإن لم يكن فهو على ما نوى أي ذلك نوى من قبل أو بعد حملا على ما نوى وان لم تكن له نية يلحق بالمشتبه الذي لا يعرف له معنى فاما الذي يعرف من معناه انه قبل أو بعد فهو على الذي يعرف في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يكن له نية فان نوى خلاف ما يعرف لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى فالذي الظاهر منه قبل كقوله إن خرجت من باب الدار ولم أضربك والذي ظاهره بعد مثل قوله إن أعطيتني كذا ولم أكافئك بمثله والمحتمل كقوله إن كلمتك ولم تكلمني فهذا يحتمل قبل وبعد فأيهما فعل لم يكن للحالف فيه وإن كان نوى أحد الفعلين فهو على ما نوى وإن كان قبل ذلك فنطق بكون هذا جوابا له فهو على الجواب والله عز وجل الموفق (وأما) الذي يرجع إلى نفس الركن فخلوه عن الاستثناء نحو أن يقول إن شاء الله تعالى أو الا ان يشاء الله أو ما شاء الله أو الا أن يبدو لي غير هذا أو الا ان أرى غير هذا أو الا ان أحب غير هذا أو قال إن أعانني الله أو يسر الله أو قال بمعونة الله أو بتيسيره ونحو ذلك فان قال شيئا من ذلك موصولا لم تنعقد اليمين وإن كان مفصولا انعقدت وسيأتي الكلام في الاستثناء وشرائطه في كتاب الطلاق ولو قال الا ان أستطيع فان عنى استطاعة الفعل وهو المعنى الذي يقصد فلا يحنث أبدا لأنها مقارنة للفعل عندنا فلا توجد ما لم يوجد الفعل وان عنى به استطاعة الأسباب وهي سلامة الآلات والأسباب والجوارح والأعضاء فإن كانت له هذه الاستطاعة فلم يفعل حنث وإلا فلا وهذا لان لفظ الاستطاعة يحتمل كل واحد من المعنيين لأنه يستعمل فيهما قال الله تعالى ما كانوا يستطيعون وقال إنك لن تستطيع معي صبرا والمراد منه استطاعة الفعل وقال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقال عز وجل فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا والمراد منه استطاعة سلامة الأسباب والآلات فأي ذلك نوى صحت نيته وان لم يكن له نية يحمل على استطاعة الأسباب وهو ان لا يمنعه مانع من العوارض والاشتغال لأنه يراد بها ذلك في العرف والعادة فعند الاطلاق ينصرف إليه والله عز وجل أعلم (فصل) وأما حكم اليمين بالله تعالى فيختلف باختلاف اليمين أما يمين الغموس فحكمها وجوب الكفارة لكن بالتوبة والاستغفار لأنها جرأة عظيمة حتى قال الشيخ أبو منصور الماتريدي كان القياس عندي ان المتعمد بالحلف على الكذب يكفر لان اليمين بالله تعالى جعلت للتعظيم لله تعالى والحالف بالغموس مجترئ على الله عز وجل مستخف به ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء والطواغيت لان في ذلك تعظيما لهم وتبجيلا فالوزر له في الجرأة على الله أعظم وهذا لان التعمد بالحلف كاذبا على المعرفة بان الله عز وجل يسمع استشهاده بالله كاذبا مجترئ على الله سبحانه وتعالى ومستخف به وإن كان غيره يزعم أنه ذكر على طريق التعظيم وسبيل هذا سبيل أهل النفاق ان اظهارهم الايمان بالله سبحانه وتعالى استخفاف بالله تعالى لما كان اعتقادهم بخلاف ذلك وإن كان ذلك القول تعظيما في نفسه وصدقا في الحقيقة تلزمهم العقوبة لما فيه من الاستخفاف وكذا هذا ولكن نقول لا يكفر بهذا لان فعله ان خرج مخرج الجرأة على الله تعالى والاستخفاف به من حيث الظاهر لكن غرضه الوصول إلى مناه وشهوته لا القصد إلى ذلك وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة رحمه الله في سؤال السائل ان العاصي يطيع الشيطان ومن أطاع الشيطان فقد كفر كيف لا يكفر العاصي فقال لان فعله وان خرج مخرج الطاعة للشيطان لكن ما فعله قصد إلى طاعته وإنما يكفر بالقصد إذ الكفر عمل القلب لا بما يخرج فعله فعل معصية فكذلك الأول وأما الكفارة المعهودة وهي الكفارة بالمال فلا تجب عندنا وهي عند الشافعي تجب احتج بقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم نفي المؤاخذة باليمين اللغو في
(١٥)