وقد وجدت فاما السماع فليس بشرط لكونه كلا فان الأصم يصح استثناؤه وإن كان لا يسمع والصحيح ما ذكره الفقيه أبو جعفر لان الحروف المنظومة وإن كانت كلاما عند الكرخي وعندنا هي دلالة الكلام وعبارة عنه لا نفس الكلام في الغائب والشاهد جميعا فلم توجد الحروف المنظومة ههنا لان الحروف لا تتحقق بدون الصوت فالحروف المنظومة لا تتحقق بدون الأصوات المتقطعة بتقطيع خاص فإذا لم يوجد الصوت لم توجد الحروف فلم يوجد الكلام عنده ولا دلالة الكلام عندنا فلم يكن استثناء والله الموفق وأما الذي يخص أحد النوعين وهو الاستثناء الوضعي فهو أن يكون المستثنى بعض المستثنى منه لا كله لما ذكرنا ان الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا ولا يكون تكلما بالباقي الا أن يكون المستثنى بعض المستثنى منه لا كله ولان الاستثناء يجرى مجرى التخصيص والتخصيص يرد على بعض أفراد العموم لا على الكل لان ذلك يكون نسخا لا تخصيصا وكذا الاستثناء نسخ الحكم ونسخ الحكم يكون بعد ثبوته والطلاق بعد وقوعه لا يحتمل النسخ فبطل الاستثناء ومن مشايخنا من قال إن استثناء الكل من الكل إنما يصبح لأنه رجوع والطلاق مما لا يحتمل الرجوع عنه وكذا العتاق وكذا الاعتاق وكذا الاقرار وهذا غير سديد لأنه لو كان كذلك لصح فيما يحتمل الرجوع وهو الوصية ومع هذا لا يصح حتى لو قال أوصيت لفلان بثلث مالي الا ثلث مالي لم يصح الاستثناء وتصح الوصية فدل ان عدم الصحة ليس لمكان الرجوع بل لما قلنا إنه ليس باستثناء ويصح استثناء البعض من الكل سواء كان المستثنى أقل من المستثنى منه أو أكثر عند عامة العلماء وعامة أهل اللغة وروى عن أبي يوسف انه لا يصح استثناء الأكثر من الأقل وهو قول الفراء وجه قولهما ان الاستثناء من باب اللغة وأهل اللغة لم يتكلموا باستثناء الأكثر من الأقل ولان الاستثناء وضع في الأصل لاستدراك الغلط والغلط يجرى في الأقل لا في الأكثر ولنا ان أهل اللغة قالوا الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا من غير فصل بين الأقل والأكثر الا انه قل استعمالهم الاستثناء في مثله لقلة حاجتهم إليه لقلة وقوع الغلط فيه وهذا لا يكون منهم اخراجا للفظ من أن يكون استثناء حقيقة كمن أكل لحم الخنزير لا يمتنع أحد من أهل اللسان من اطلاق القول بأنه أكل لحم الخنزير وإن كان يقل استعمال هذه اللفظة لكن قلة استعمالها لقلة وجود الاكل لا لانعدام معنى اللفظ حقيقة كذا هذا وعلى هذا يخرج مسائل هذا النوع إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا الا واحدة يقع ثنتان لان هذا استثناء صحيح لكونه تكلما بالباقي بعد الثنيا والباقي بعد استثناء الواحدة من الثلاث ثنتان الا ان للثنتين اسمين أحدهما ثنتان والآخر ثلاث الا واحدة ولو قال الا اثنتين يقع واحدة لان استثناء الأكثر من الأقل استثناء صحيح أيضا لما ذكرنا ولو قال الا ثلاثا وقع الثلاث لان الاستثناء لم يصح لأنه استثناء الكل من الكل ولو قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة وواحدة وواحدة وقع الثلاث وبطل الاستثناء في قول أبي حنفية ومحمد وقال أبو يوسف جاز استثناء الأولى والثانية وبطل استثناء الثالثة وتلزمه واحدة وجه قوله إن استثناء الأولى والثانية استثناء البعض من الكل فصح الا انه لو سكت عليه لجاز فأما استثناء الثالثة فاستثناء الكل من الكل فلم يصح فالتحق بالعدم فيقع واحدة ولأبي حنيفة ومحمد ان أول الكلام في الاستثناء يقف على آخره فكان استثناء الكل من الكل فلا يصح كما لو قال ثلاثا الا ثلاثا ولأنه لما قال الا واحدة وواحدة وواحدة فقد جمع بين الكل بحرف الجمع فصار كأنه قال الا ثلاثا ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة الا ثلاثا يقع الثلاث ويبطل الاستثناء في قولهم جميعا لان الاستثناء إذا كان موصولا لا يقف أول الكلام على آخره فكان الاستثناء راجعا إلى الكل فبطل ولأنه ذكر جملتين وجمع بين كل جملة بحرف الجمع فكان استثناء الجملة من الجملة فلا يصح وإذا قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا اثنتين يقع ثنتان في قول أبى يوسف ومحمد وقال زفر يقع ثلاث كذا ذكر القدوري ولم يذكر قول أبي حنيفة وجه قول زفر ان الأصل في الاستثناء انه ينصرف إلى ما يليه لأنه أقرب إليه وهو متصل به أيضا ولا ينصرف إلى غيره الا بدليل ومتى انصرف إلى ما يليه كان استثناء الكل من الكل فلا يصح ولهما ان الاستثناء يصحح ما أمكن ولو جعلناه مما يليه لبطل ولو صرف إلى الجملتين يصح
(١٥٥)