مواضع في بيان شرعية الرجعة وفي بيان ماهيتها وفي بيان ركنها وفي بيان شرائط جواز الركن أما الأول فالرجعة مشروعة عرفت شرعيتها بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول أما الكتاب العزيز فقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن أي رجعتهن وقوله تعالى إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وقوله تعالى الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان والامساك بالمعروف هو الرجعة وأما السنة فما روينا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته في حالة الحيض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه مر ابنك يراجعها الحديث وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة رضي الله عنها جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال له راجع حفصة فإنها صوامة قوامة فراجعها وكذا روى أنه صلى الله عليه وسلم طلق سودة بنت زمعة رضي الله عنها ثم راجعها وعليه الاجماع وأما المعقول فلان الحاجة تمس إلى الرجعة لان الانسان قد يطلق امرأته ثم يندم على ذلك على ما أشار الرب سبحانه وتعالى جل جلاله بقوله لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فيحتاج إلى التدارك فلو لم تثبت الرجعة لا يمكنه التدارك لما عسى لا توافقه المرأة في تجديد النكاح ولا يمكنه الصبر عنها فيقع في الزنا وأما بيان ماهية الرجعة فالرجعة عندنا استدامة الملك القائم ومنعه من الزوال وفسخ السبب المنعقد لزوال الملك وعند الشافعي هي استدامة من وجه وانشاء من وجه بناء على أن الملك عنده قائم من وجه زائل من وجه وهو عندنا قائم من كل وجه وعلى هذا ينبنى ان الشهادة ليست بشرط لجواز الرجعة عندنا وعنده شرط وجه البناء ان الشهادة شرط ابتداء العقد وانشائه لا شرط البقاء والرجعة استيفاء العقد عندنا فلا يشترط له الشهادة وعنده هي استيفاء من وجه وانشاء من وجه فيشترط لها الشهادة من حيث هي انشاء لا من حيث هي استيفاء فصح البناء ثم الكلام فيه على وجه الابتداء احتج الشافعي بقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم فظاهر الامر وجوب العمل فيقتضى وجوب الشهادة ولنا نصوص الرجعة من الكتاب والسنة مطلقة عن شرط الاشهاد الا أنه يستحب الاشهاد عليها إذ لو لم يشهد لا يأمن من أن تنقضي العدة فلا تصدقه المرأة في الرجعة ويكون القول قولها بعد انقضاء العدة فندب إلى الاشهاد لهذا وعلى هذا تحمل الآية الكريمة وفي الآية ما يدل عليه لأنه سبحانه وتعالى قال فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف جمع بين الفرقة والرجعة أمر سبحانه بالاشهاد بقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم ومعلوم ان الاشهاد على الفرقة ليس بواجب بل هو مستحب كذا على الرجعة أو تحمل على هذا توفيقا بين النصوص بقدر الامكان وكذا لا مهر في الرجعة ولا يشترط فيها رضا المرأة لأنها من شرائط ابتداء العقد لا من شرط البقاء وكذا اعلامها بالرجعة ليس بشرط حتى لو لم يعلمها بالرجعة جازت لان الرجعة حقه على الخلوص لكونه تصرفا في ملكه بالاستيفاء والاستدامة فلا يشترط فيه اعلام الغير كالإجازة في الخيار لكنه مندوب إليه ومستحب لأنه إذا راجعها ولم يعلمها بالرجعة فمن الجائز انها تتزوج عند مضى ثلاث حيض ظنا منها ان عدتها قد انقضت فكان ترك الاعلام فيه تسببا إلى عقد حرام عسى فاستحب له أن يعلمها ولو راجعها ولم يعلمها حتى أنقضت مدة عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم جاء زوجها الأول فهي امرأته سواء كان دخل بها الثاني أو لم يدخل ويفرق بينها وبين الثاني لان الرجعة قد صحت بدون علمها فتزوجها الثاني وهي امرأة الأول فلم يصح وعلى هذا تبنى الرجعة بالفعل بان جامعها انها جائزة عندنا وعند الشافعي لا يجوز الرجعة الا بالقول وجه البناء على هذا الأصل ان الرجعة عنده انشاء النكاح من وجه وانشاء النكاح من كل وجه لا يجوز الا بالقول فكذا انشاؤه من وجه وعندنا هي استدامة النكاح من كل وجه فلا تختص بالقول ويبنى أيضا على حل الوطئ وحرمته وجه البناء ان الوطئ لما كان حلالا عندنا فإذا وطئها فلو لم يجعل الوطئ دلالة الرجعة وربما لا يراجعها بالقول بل يتركها حتى تنقضي عدتها فيزول الملك عند انقضاء العدة بالطلاق السابق لأنه لا فعل منه الا ذلك فيزول الملك مستندا إلى وقت وجود الطلاق فتبين ان الملك كان زائلا من وقت الطلاق من وجه فيظهر ان الوطئ كان حراما فجعل الاقدام على الوطئ دلالة الرجعة صيانة له عن الحرام
(١٨١)