لا تبروا ويجوز اضمار حرف لا في موضع القسم وغيره قال الله تعالى ولا يأتل أولو الفصل منكم والسعة ان يؤتوا أولى القربى أي لا يؤتوا ويحتمل أن تكون الآية عامة أي لا تحلفوا لكي تبروا فتجعلوا الله عرضة بالحنث بعد ذلك بترك التعظيم بترك الوفاء باليمين يقال فلان عرضة للناس أي لا يعظمونه ويقعون فيه فيكون هذا نهيا عن الحلف بالله تعالى إذا لم يكن الحالف على يقين من الاصرار على موجب اليمين وهو البر أو غالب الرأي والله عز وجل اعلم وأما اليمين المعقودة فهي اليمين على أمر في المستقبل نفيا أو اثباتا نحو قوله والله لا أفعل كذا وكذا وقوله والله لأفعلن كذا (فصل) وأما ركن اليمين بالله تعالى فهو اللفظ الذي يستعمل في اليمين بالله تعالى وانه مركب من المقسم عليه والمقسم به ثم المقسم به قد يكون صفة والاسم قد يكون مذكورا وقد يكون محذوفا والمذكور قد يكون صريحا وقد يكون كناية أما الاسم صريحا فهو ان يذكر اسما من أسماء الله تعالى أي اسم كان سواء كان اسما خاصا لا يطلق الا على الله تعالى نحو الله والرحمن أو كان يطلق على الله تعالى وعلى غيره كالعليم والحكيم والكريم والحليم ونحو ذلك لأن هذه الأسماء وإن كانت تطلق على الخلق ولكن تعين الخالق مرادا بدلالة القسم إذ القسم بغير الله تعالى لا يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله تعالى حملا لكلامه على الصحة الا ان ينوى به غير الله تعالى فلا يكون يمينا لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيصدق في أمر بينه وبين ربه وحكى عن بشر المريسي فيمن قال والرحمن أنه ان قصد اسم الله تعالى فهو حالف وان أراد به سورة الرحمن فليس بحالف لكنه حلف بالقرآن وسواء كان القسم بحرف الباء أو الواو أو التاء بان قال بالله أو والله أو تالله لان القسم بكل ذلك من عادة العرب ورد به الشرع أيضا قال الله تعالى والله ربنا ما كنا مشركين وقال وتالله لأكيدن أصنامكم وقال تعالى خبرا عن اخوة يوسف قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف وقال عز وجل تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك وقال عز وجل وأقسموا بالله وقال عز وجل ويحلفون بالله تعالى وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمن كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليدع الا ان الباء هي الأصل وما سواها دخيل قائم مقامها فقول الحالف بالله أي احلف بالله لان الباء حرف الصاق وهو الصاق الفعل بالاسم وربط الفعل بالاسم والنحويون يسمون الباء حرف الصاق وحرف الربط وحرف الآلة والتسبيب فإنك إذا قلت كتبت بالقلم فقد ألصقت الفعل بالاسم وربطت أحدهما بالآخر فكان القلم آلة الكتابة وسببا يتوصل به إليها فإذا قال بالله فقد الصق الفعل المحذوف وهو قوله احلف بالاسم وهو قوله بالله وجعل اسم الله آلة للحلف وسببا يتوصل به إليه الا انه لما كثر استعمال هذه اللفظة أسقط قوله احلف واكتفى بقوله بالله كما هو دأب العرب من حذف البعض وابقاء البعص عند كثرة الاستعمال إذا كان فيما بقي دليلا على المحذوف كما في قولهم باسم الله ونحو ذلك وإنما خفض بالاسم لان الباء من حروف الخفض والواو قائم مقامه فصار كأن الباء هو المذكور وكذا التاء قائم مقام الواو فكان الواو هو المذكور الا ان الباء تستعمل في جميع ما يقسم به من أسماء الله وصفاته وكذا الواو فاما التاء فإنه لا يستعمل الا في اسم الله تعالى تقول تالله ولا تقول تالرحمن وتعزة الله تعالى لمعنى يذكر في النحو ولو لم يذكر شيئا من هذه الأدوات بان قال الله لا أفعل كذا يكون يمينا لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ركانة بن زيد أو زيد ابن ركانة حين طلق امرأته البتة وقال الله ما أردت بالبيت الا واحدة وبه تبين ان الصحيح ما قاله الكوفيون وهو أن يكون بالكسر لان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله بالكسر وهو أفصح العرب صلى الله عليه وسلم وكذا روى عن ابن عمر وغيره من الصحابة انه سأله واحد وقال له كيف أصبحت قال خير عافاك الله بكسر الراء ولو قال لله هل يكون يمينا لم يذكر هذا في الأصل وقالوا أنه يكون يمينا لان الباء توضع موضع اللام يقال آمن بالله وامن له بمعنى قال الله تعالى في قصة فرعون آمنتم له وفي موضع آخر آمنتم به والقصة واحدة ولو قال وربي ورب العرش أو رب العالمين كان حالفا لان هذا من الأسماء الخاصة بالله تعالى لا يطلق على غيره (وأما) الصفة فصفات الله تعالى مع أنها كلها لذاته على ثلاثة أقسام منها ما لا يستعمل في عرف الناس وعاداتهم الا في الصفة نفسها فالحلف بها يكون يمينا ومنها ما يستعمل في الصفة وفي
(٥)