هذا والأصل عندهما ان اختيار الأولى أو الوسطى أو الأخيرة صحيح ولا يقع الا واحدة غير أنهما يقولان لا يلزمها الألف الا إذا اختارت الأخيرة لان كل واحد من التخييرات تخيير على حدة لأنه كلام تام بنفسه ولم يذكر معه حرف الجمع فيجعل الكل كلاما واحدا فبقي كل واحد منهما تخييرا تاما بنفسه فيعطى لكل واحد منهما حكم نفسه والبدل لم يذكر الا في التخيير الأخير فلا يجب الا باختيار الأخيرة ولو ذكر حرف الواو أو حرف الفاء فقال اختاري واختاري واختاري بألف درهم أو قال اختاري فاختاري فاختاري بألف درهم فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فعند أبي حنيفة لا يختلف الجواب فتطلق ثلاثا وعليها ألف درهم لما ذكرنا وعندهما لا يقع الطلاق في هذه الصورة لأنه لما جمع بين التخييرات الثلاث بحرف الجمع جعل الكل كلاما واحدا وقد أمرها أن تحرم نفسها عليه بألف درهم فلا تملك التحريم بأقل من ذلك كما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا بألف درهم فطلقت نفسها واحدة انه لا يقع شئ لما قلنا كذا هذا والله أعلم بالصواب (فصل) وأما قوله أنت طالق ان شئت فهو مثل قوله اختاري في جميع ما وصفنا لان كل واحد منهما تمليك الطلاق الا ان الطلاق ههنا رجعي وهناك بائن لان المفوض ههنا صريح وهناك كناية وكذا إذا قال لها أنت طالق ان أحببت أو رضيت أو هويت أو أردت لأنه علق الطلاق بفعل من أفعال القلب فكان مثل قوله إن شئت وكذا إذا قال لها أنت طالق حيث شئت أو أين شئت أو أينما شئت أو حيثما شئت فهو مثل قوله إن شئت لان حيث وأين اسم مكان وما وصلة فيهما ولا تعلق للطلاق بالمكان فيلغو ذكرهما لعدم الفائدة ويبقى ذكر المشيئة فصار كأنه قال لها أنت طالق ان شئت وكذا إذا قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت غير أن لها ان تطلق نفسها في المجلس ما شاءت واحدة أو ثنتين أو ثلاثا لان كلمة كم للقدر وقدر الطلاق هو العدد والعدد هو الواقع وكذا كلمة ما في مثل هذا الموضع تذكر لبيان القدر ويقال كل من طعامي ما شئت أي القدر الذي شئت ولو قال لها أنت طالق إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت فلها ان تطلق نفسها في أي وقت شاءت في المجلس أو بعده وبعد القيام عنه لما مر وليس لها أن تطلق نفسها الا واحدة لأنه ليس في هذه الألفاظ ما يدل على التكرار على ما مر بخلاف قوله أنت طالق كلما شئت فان لها أن تطلق نفسها مرة بعد أخرى حتى تطلق نفسها ثلاثا لان المعلق بالمشيئة وإن كان واحدا وهو الثابت مقتضى قوله أنت طالق وهو الطلاق لكنه علق المشيئة بكلمة كلما وانها تقتضي تكرار الافعال فيتكرر المعلق بتكرر الشرط وإذا وقع الثلاث عند المشيئات المتكررة يبطل التعليق عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر حتى لو تزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الأول فطلقت نفسها لا يقع شئ وليس لها ان تطلق نفسها ثلاثا في كلمة واحدة لما ذكرنا فيما تقدم ولان المعلق بكل مشيئة والمفوض إليها تطليقة واحدة وهي البائنة مقتضى قوله أنت طالق فلا تملك الثلاث ولو قال أنت طالق كيف شئت طلقت للحال تطليقة واحدة بقوله أنت طالق في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يقع عليها شئ ما لم تشأ والحاصل ان عند أبي حنيفة في قوله أنت طالق كيف شئت لا يتعلق أصل الطلاق بالمشيئة بل المعلق بالمشيئة صفة الواقع وتتقيد مشيئتها بالمجلس وعندهما تتعلق بالأصل والوصف بالمشيئة وتتقيد مشيئتها بالمجلس وجه قولهما ان الكيفية من باب الصفة وقد علق الوصف بالمشيئة وتعليق الوصف بالمشيئة تعليق الأصل بالمشيئة لاستحالة وجود الصفة بدون الموصوف وإذا تعلق أصل الطلاق بالمشيئة لا ينزل ما لم توجد المشيئة ولأبي حنيفة ان الزوج بقوله أنت طالق كيف شئت أوقع أصل الطلاق للحال وفوض تكييف الواقع إلى مشيئتها لان الكيفية للموجود لا للمعدوم إذ المعدوم لا يحتمل الكيفية فلابد من وجود أصل الطلاق لتتخير هي في الكيفية ولهذا قال بعض المحققين في تعليل المسألة لأبي حنيفة ان الزوج كيف المعدوم والمعدوم لا يكيف فلابد من الوجود ومن ضرورة الوجود الوقوع ثم إذا شاءت في مجلسها فإن لم ينو الزوج البينونة ولا الثلاث فشاءت واحدة بائنة أو ثلاثا كان ما شاءت لان الزوج فوض الكيفية إليها فان نوى الزوج البينونة أو الثلاث فإذا وافقت مشيئتها نية
(١٢١)