ثلاثا وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله تعالى وهو عليه غضبان وأما إذا كان مظلوما فهو لا يقتطع بيمينه حقا فلا يأثم وان نوى غير الظاهر قال وأما اليمن على المستقبل إذا قصد بها الحالف معنى دون معنى فهو على نيته دون نية المستحلف لأنه عقد وهو العاقد فينعقد على ما عقده (فصل) وأما اليمين بغير الله عز وجل فهي في الأصل نوعان أحدهما ما ذكرنا وهو اليمين بالآباء والأبناء والأنبياء والملائكة صلوات الله عليهم والصوم والصلاة وسائر الشرائع والكعبة والحرم وزمزم والقبر والمنبر ونحو ذلك ولا يجوز الحلف بشئ من ذلك لما ذكرنا وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حلفتم فاحلفوا بالله ولو حلف بذلك لا يعتد به ولا حكم له أصلا والثاني بالشرط والجزاء وهذا النوع ينقسم إلى قسمين يمين بالقرب ويمين بغير القرب أما اليمين بالقرب فهي أن يقول إن فعلت كذا فعلى صلاة أو صوم أو الحجة أو عمرة أو بدنة أو هدى أو عتق رقبة أو صدقة ونحو ذلك وقد اختلف في حكم هذه اليمين انه هل يجب الوفاء بالمسمى بحيث لا يخرج عن عهدته الا به أو يخرج عنها بالكفارة مع الاتفاق على أنها يمين حقيقة حتى أنه لو حلف لا يحلف فقال ذلك يحنث بلا خلاف لوجود ركن اليمين وهو ما ذكره ووجود معنى اليمين أيضا وهو القوة على الامتناع من تحصيل الشرط خوفا من لزوم المذكور ونذكر حكم هذا النوع إن شاء الله في كتاب النذر لان هذا التصرف يسمى أيضا نذرا معلقا بالشرط لوجود معنى النذر وهو التزامه القربة عند وجود الشرط (وأما) اليمين بغير القرب فهي الحلف بالطلاق والعتاق فلا بد من بيان ركنه وبيان شرائط الركن وبيان حكمه وبيان ما يبطل به الركن أما الركن فهو ذكر شرط وجزاء مربوط بالشرط معلق به في قدر الحاجة إلى معرفة المسمى بالشرط والجزاء ومعرفة معناهما أما المسمى بالشرط فما دخل فيه حرف من حروف الشرط وهي ان وإذا وإذا ما ومتى ومتى ما ومهما وأشياء أخر ذكرها أهل النحو واللغة وأصل حروفه ان الخفيفة وغيرها داخل عليها لأنها لا تستعمل الا في الشرط وما سواها من الحروف يستعمل فيه وفي غيره وهو الوقت وهذا أمارة الأصالة والتبعية وذكر الكرخي مع هذه الحروف كلما وعدها من حروف الشرط وانها ليست بشرط في الحقيقة فان أهل اللغة لم يعدوها من حروف الشرط لكن فيها معنى الشرط وهو توقف الحكم على وجود ما دخلت عليه لذلك سماه شرطا وفي قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق وقوله كل عبد اشتريته فهو حر إنما توقف الطلاق والعتاق على الزوج والشراء لا على طريق التعليق بالشرط بل لأنه أوقع الطلاق والعتاق على امرأة متصفة بأنه تزوجها وعلى عبد متصف بأنه اشتراه ويحصل الاتصاف بذلك عند التزوج والشراء وأما معنى الشرط فهو العلامة ومنه أشراط الساعة أي علاماتها ومنه الشرطي والشراط والمشرط فسمى ما جعله الحالف علما لنزول الجزاء شرطا حتى لو ذكره لمقصود آخر لا يكون شرطا على ما نذكر إن شاء الله تعالى وأما المسمى بالجزاء فما دخل فيه حرف التعليق وهي حرف الفاء إذا كان متأخرا في الذكر عن الشرط كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق فاما إذا كان الجزاء متقدما فلا حاجة إلى حرف الفاء بل يتعلق بالشرط بدون حرف التعليق لأنه قد يعقب قوله أنت طالق ما يبين انه يمين فيخرج به من أن يكون تطليقا إلى كونه يمينا وتعليقا فلا حاجة في مثل هذا إلى حرف التعليق بخلاف حروف الشرط فإنها لازمة للشرط سواء تقدم ذكرها على الجزاء أو تأخر وإنما اختصت الفاء بالجزاء لأنها حرف يقتضى التعقيب من غير تراخى كقول القائل جاءني زيد فعمرو والجزاء يتعقب الشرط بلا تراخى وأما معنى الجزاء فجزاء الشرط ما علق بالشرط ثم قد يكون مانعا من تحصيل الشرط إذا كان الشرط مرغوبا عنه لوقاحة عاقبته وقد يكون حاملا على تحصيله لحسن عاقبته لكن الحمل والمنع من الاغراض المطلوبة من اليمين ومن ثمراتها بمنزلة الربح بالبيع والولد بالنكاح فانعدامها لا يخرج التصرف عن كونه كانعدام الربح في البيع والولد في النكاح لان وجود التصرف بوجود ركنه لا لحصول المقصود منه كوجود البيع والنكاح وغيرهما
(٢١)