في اللغة يقال أعذب أي منع وأعذب أي امتنع يستعمل لازما ومتعديا ومعنى المنع يوجد في الحبس وهذا هو مذهبنا انها إذا امتنعت من اللعان تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا فيدرأ عنها العذاب وهو الحبس باللعان فاذن قلنا بموجب الآية الكريمة ومنها انه لا يحتمل العفو والابراء والصلح لأنه في جانب الزوج قائم مقام حد القذف وفي جانبها قائم مقام حد الزنا وكل واحد منهما لا يحتمل العفو والابراء والصلح لما نذكر إن شاء الله تعالى في الحدود وكذا لو عفت عنه قبل المرافعة أو صالحته على مال لم يصح وعليها رد بدل الصلح ولها أن تطالبه باللعان بعد ذلك كما في قذف الأجنبي ومنها ان لا تجرى فيه النيابة حتى لو وكل أحد الزوجين باللعان لا يصح التوكيل لما ذكرنا انه بمنزلة الحد فلا يحتمل النيابة كسائر الحدود ولأنه شهادة أو يمين وكل واحد منهما لا يحتمل النيابة فاما التوكيل باثبات القدف بالبينة فجائز عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز ونذكر المسألة في كتاب الوكالة إن شاء الله تعالى (فصل) وأما بيان سبب وجوب اللعان فسبب وجوبه القذف بالزنا وانه نوعان أحدهما بغير نفى الولد والثاني بنفي الولد أما الذي بغير نفى الولد فهو أن يقول لامرأته يا زانية أو زنيت أو رأيتك تزنين ولو قال لها جومعت جماعا حراما أو وطئت وطأ حرام فلا لعان ولا حد لعدم القذف بالزنا ولو قذفها بعمل قوم لوط فلا لعان ولا حد في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يجب اللعان بناء على أن هذا الفعل ليس بزنا عنده فلم يوجب القذف بالزنا وعندهما هو زنا والمسألة تأتى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى ولو كان له أربع نسوة فقذفهن جميعا بالزنا في كلام واحد أو قذف كل واحدة بالزنا بكلام على حدة فإن كان الزوج وهن من أهل اللعان يلاعن في كل قذف مع كل واحدة على حدة لوجود سبب وجوب اللعان في حق كل واحدة منهن وهو القذف بالزنا وان لم يكن الزوج من أهل اللعان يحد حد القذف ويكتفى بحد واحد عن الكل لان حد القذف يتداخل ولو كان الزوج من أهل اللعان والبعض منهن ليس من أهل اللعان يلاعن منهن من كانت من أهل اللعان لا غير ولو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية وجب عليه اللعان والحد لأنه قذف زوجته وقذف أمها وقذف الزوجة يوجب اللعان وقذف الأجنبية يوجد الحد ثم إنهما إذا اجتمعا على مطالبة الحد بدئ بالحد لأجل الام لان في البداية اسقاط اللعان لأنه يصير محدودا في القذف فلم يبق من أهل الشهادة واللعان شهادة والأصل ان الحدين إذا اجتمعا وفى البداية بأحدهما اسقاط الآخر بدئ بما فيه اسقاط الآخر لقوله صلى الله عليه وسلم ادرؤا الحدود ما استطعتم وقد استطعنا درء الحد بهذا الطريق وان لم تطالبه الام وطالبته المرأة يلاعن بينهما ويقام حد القذف للام بعد ذلك ان طالبته به كذا ذكر في ظاهر الرواية وذكر الطحاوي انه لا يقام الحد للام بعد اللعان وهذا غير سديد لان المانع من إقامة اللعان في المسألة الأولى هو خروج الزوج من أهلية اللعان لصيرورته محدودا في القذف ولم يوجد ههنا وكذلك لو كانت أمها ميتة فقال لها يا زانية بنت الزانية كان لها المطالبة والخصومة في القذفين لوجوب اللعان والحد ثم إن خاصمته في القذفين جميعا يبدأ بالحد فيحد للام حد القذف لما فيه من اسقاط اللعان وان لم تخاصم في قذف أمها ولكنها خاصمت في قذف نفسها يلاعن بينهما ويحد للام لما ذكرنا وكذلك الرجل إذا قذف أجنبية بالزنا ثم تزوجها وقذفها بالزنا بعد التزوج وجب عليه الحد واللعان لوجود سبب وجوب كل واحد منهما ثم إن خاصمته في القذفين جميعا يبدأ بحد القذف حتى يسقط اللعان ولو لم تخاصم في حد القذف وخاصمت في اللعان يلاعن بينهما ثم إذا خاصمت في الحد يحد لما قلنا والله أعلم وأما الذي بنفي الولد فهو أن يقول لامرأته هذا الولد من الزنا أو يقول هذا الولد ليس منى فان قيل قوله هذا الولد ليس منى لا يكون قذفا لها بالزنا لجواز أن لا يكون ابنه بل يكون ابن غيره ولا تكون هي زانية بأن كانت وطئت بشبهة فالجواب نعم هذا الاحتمال ثابت لكنه ساقط الاعتبار بالاجماع لان الأمة أجمعت على أنه ان نفاه عن الأب المشهور بان قال له لست بأبيك يكون قاذفا لامه حتى يلزمه حد القذف مع وجود هذا الاحتمال ولو جاءت زوجته بولد فقال لها لم تلديه لم يجب اللعان لعدم القذف لأنه أنكر الولادة وانكار الولادة لا يكون قذفا فان أقر بالولادة أو شهدت القابلة على
(٢٣٩)