صلى الله عليه وسلم كفر قبل الحنث وذلك أنه لما رأى حمزة رضي الله عنه سيد الشهداء قد مثل وجرح جراحات عظيمة اشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقسم أن يفعل كذلك بكذا كذا من قريش فنزل النهى عن الوفاء بذلك وكفر عن يمينه وذلك تكفير قبل الحنث في مثل هذه اليمين لا يتحقق الا في الوقت الذي يحتمل البر فيه حقيقة وذلك عند موته فدل على جواز التكفير للأمة قبل الحنث إذ هو صلى الله عليه وسلم قدوة ولنا ان السبب ما يكون مفضيا إلى المسبب إذ هو في اللغة اسم لما يتوصل به إلى الشئ واليمين مانعة من الحنث لكون الحنث خلفا في الوعد ونقضا للعهد وقد قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ولكونه استخفافا باسم الله تعالى من حيث الصورة وكل ذلك مانع من الحنث فكانت اليمين مانعة من الحنث فكانت مانعة من الوجوب إذ الوجوب شرط الحنث بلا خلاف بيننا فكيف يكون سببا للوجوب ولهذا لم يجز عجل التكفير بالصوم كذا بالمال بخلاف التكفير بعد الجرح قبل الموت لان الجرح سبب للموت لكونه مفضيا إلى فوات الحياة عادة فكان تكفيرا بعد وجود السبب فجاز وأما إضافة الكفارة إلى اليمين فعلى اضمار الحنث فيكون الحنث بعد اليمين سببا لا قبله والحنث يكون سببا والدليل عليه انه سماه كفارة لقوله عز وجل ذلك كفارة أيمانكم وهي اسم لما يكفر بالذنب ولا ذنب الا ذنب الحنث فكان المراد منه إذا حلفتم وحنثتم كما يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه فان قيل الكفارة تجب بنفس اليمين أصل الوجوب لكن يجب أداؤها عند الحنث كالزكاة تجب عند وجود النصاب لكن يجب الأداء عند الحول وقوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول لنفى وجوب الأداء لا لنفي أصل الوجوب فالجواب انه لا وجوب الا وجوب الفعل فاما وجوب غير الفعل فامر لا يعقل على ما عرف في موضعه على أنه لو كان كذلك لجاز التكفير بالصوم لأنه صام بعد الوجوب فعلم أن الوجوب غير ثابت أصلا ورأسا فان قيل يجوز ان يسمى كفارة قبل وجوبها كما يسمى ما يعجل من المال زكاة قبل الحول وكما يسمى المعجل كفارة بعد الجراحة قبل الموت فلا حاجة إلى الحنث في جوازها فالجواب انه لا خلاف في أن الكفارة الحقيقية وهي الكفارة الواجبة بعد الحنث مرادة بالآية فامتنع ان يراد بها ما يسمى كفارة مجاز العرضية الوجوب لاستحالة كون اللفظ الواحد منتظما الحقيقة والمجاز وأما تكفير النبي صلى الله عليه وسلم فنقول ذلك في المعنى كان تكفيرا بعد الحنث لأنه تكفير بعد العجز عن تحصيل البر فيكون تكفيرا بعد الحنث من حيث المعنى كمن حلف لآتين البصرة فمات يلزمه الكفارة لتحقق العجز بالموت وبيان ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم معصوم عن المعصية والوفاء بتلك اليمين إذ هو نهى عن ذلك فكانت يمينه قبل النهى عن الذي حلف عليه فكانت منعقدة على فعل مباح ولما نهى صلى الله عليه وسلم عن تحصيل ذلك الفعل وصار ذلك معصية صار انشاء وعاجزا عن البر فصار حانثا وإن كان ذلك الفعل ممكن الوجود في نفسه فكان وقت يأسه وقت النهى لا وقت الموت أما في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم وقت اليأس والعجز حقيقة هو وقت الموت إذ غير النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم عن المعاصي فلا يتحقق العجز لتصور وجود البر مع وصف العصيان فهو الفرق والله عز وجل أعلم (فصل) واما بيان ان اليمين بالله عز وجل على نية الحالف أو المستحلف فقد روى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال اليمين على نية الحالف إذا كان مظلوم وإن كان ظالما فعلى نية المستحلف وذكر الكرخي ان هذا قول أصحابنا جميعا وذكر القدوري انه ان أراد به اليمين على الماضي فهو صحيح لان المؤاخذة في اليمين على الماضي بالاثم فمتى كان الحالف ظالما كان آثما في يمينه وان نوى به غير ما حلف عليه لأنه يتوصل باليمين إلى ظلم غيره وقد روى أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب عليه النار قالوا وإن كان شيئا يسيرا قال صلى الله عليه وسلم وإن كان قضيبا من أراك قالها
(٢٠)