بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٣ - الصفحة ٢٠
صلى الله عليه وسلم كفر قبل الحنث وذلك أنه لما رأى حمزة رضي الله عنه سيد الشهداء قد مثل وجرح جراحات عظيمة اشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقسم أن يفعل كذلك بكذا كذا من قريش فنزل النهى عن الوفاء بذلك وكفر عن يمينه وذلك تكفير قبل الحنث في مثل هذه اليمين لا يتحقق الا في الوقت الذي يحتمل البر فيه حقيقة وذلك عند موته فدل على جواز التكفير للأمة قبل الحنث إذ هو صلى الله عليه وسلم قدوة ولنا ان السبب ما يكون مفضيا إلى المسبب إذ هو في اللغة اسم لما يتوصل به إلى الشئ واليمين مانعة من الحنث لكون الحنث خلفا في الوعد ونقضا للعهد وقد قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ولكونه استخفافا باسم الله تعالى من حيث الصورة وكل ذلك مانع من الحنث فكانت اليمين مانعة من الحنث فكانت مانعة من الوجوب إذ الوجوب شرط الحنث بلا خلاف بيننا فكيف يكون سببا للوجوب ولهذا لم يجز عجل التكفير بالصوم كذا بالمال بخلاف التكفير بعد الجرح قبل الموت لان الجرح سبب للموت لكونه مفضيا إلى فوات الحياة عادة فكان تكفيرا بعد وجود السبب فجاز وأما إضافة الكفارة إلى اليمين فعلى اضمار الحنث فيكون الحنث بعد اليمين سببا لا قبله والحنث يكون سببا والدليل عليه انه سماه كفارة لقوله عز وجل ذلك كفارة أيمانكم وهي اسم لما يكفر بالذنب ولا ذنب الا ذنب الحنث فكان المراد منه إذا حلفتم وحنثتم كما يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه فان قيل الكفارة تجب بنفس اليمين أصل الوجوب لكن يجب أداؤها عند الحنث كالزكاة تجب عند وجود النصاب لكن يجب الأداء عند الحول وقوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول لنفى وجوب الأداء لا لنفي أصل الوجوب فالجواب انه لا وجوب الا وجوب الفعل فاما وجوب غير الفعل فامر لا يعقل على ما عرف في موضعه على أنه لو كان كذلك لجاز التكفير بالصوم لأنه صام بعد الوجوب فعلم أن الوجوب غير ثابت أصلا ورأسا فان قيل يجوز ان يسمى كفارة قبل وجوبها كما يسمى ما يعجل من المال زكاة قبل الحول وكما يسمى المعجل كفارة بعد الجراحة قبل الموت فلا حاجة إلى الحنث في جوازها فالجواب انه لا خلاف في أن الكفارة الحقيقية وهي الكفارة الواجبة بعد الحنث مرادة بالآية فامتنع ان يراد بها ما يسمى كفارة مجاز العرضية الوجوب لاستحالة كون اللفظ الواحد منتظما الحقيقة والمجاز وأما تكفير النبي صلى الله عليه وسلم فنقول ذلك في المعنى كان تكفيرا بعد الحنث لأنه تكفير بعد العجز عن تحصيل البر فيكون تكفيرا بعد الحنث من حيث المعنى كمن حلف لآتين البصرة فمات يلزمه الكفارة لتحقق العجز بالموت وبيان ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم معصوم عن المعصية والوفاء بتلك اليمين إذ هو نهى عن ذلك فكانت يمينه قبل النهى عن الذي حلف عليه فكانت منعقدة على فعل مباح ولما نهى صلى الله عليه وسلم عن تحصيل ذلك الفعل وصار ذلك معصية صار انشاء وعاجزا عن البر فصار حانثا وإن كان ذلك الفعل ممكن الوجود في نفسه فكان وقت يأسه وقت النهى لا وقت الموت أما في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم وقت اليأس والعجز حقيقة هو وقت الموت إذ غير النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم عن المعاصي فلا يتحقق العجز لتصور وجود البر مع وصف العصيان فهو الفرق والله عز وجل أعلم (فصل) واما بيان ان اليمين بالله عز وجل على نية الحالف أو المستحلف فقد روى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال اليمين على نية الحالف إذا كان مظلوم وإن كان ظالما فعلى نية المستحلف وذكر الكرخي ان هذا قول أصحابنا جميعا وذكر القدوري انه ان أراد به اليمين على الماضي فهو صحيح لان المؤاخذة في اليمين على الماضي بالاثم فمتى كان الحالف ظالما كان آثما في يمينه وان نوى به غير ما حلف عليه لأنه يتوصل باليمين إلى ظلم غيره وقد روى أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب عليه النار قالوا وإن كان شيئا يسيرا قال صلى الله عليه وسلم وإن كان قضيبا من أراك قالها
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الايمان والكلام فيه مطلب في بيان أنواع الايمان 2
2 فصل وأما ركن اليمين فهو الخ 5
3 فصل وأما شرائط ركن اليمين فأنواع 10
4 فصل وأما حكم اليمين فيختلف باختلافه 15
5 فصل في بيان أن اليمين على نية الحالف أو المستحلف 20
6 فصل وأما اليمين بغير الله فهي نوعان 21
7 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 26
8 فصل وأما حكم اليمين المعلق الخ 30
9 فصل وأما الحلف على الدخول الخ 36
10 فصل واما الحلف على الخروج فهو الخ 42
11 فصل وأما الحلف على الكلام فهو الخ 47
12 فصل وأما الحلف على الاظهار والاعلان الخ 53
13 فصل وأما الحلف على الأكل والشرب الخ 56
14 فصل واما الحلف على اللبس والكسوة الخ 69
15 فصل واما الحلف على الركوب فهو الخ 71
16 فصل واما الحلف على الجلوس فهو الخ 71
17 فصل وأما الحلف على السكنى والمساكنة فهو الخ 72
18 فصل وأما الحلف على المعرفة فهو الخ 75
19 فصل واما الحلف على أخذ الحق وقبضه الخ. 75
20 فصل وأما الحالف على الهدم فهو الخ 76
21 فصل وأما الحلف على الضرب والقتل فهو الخ 76
22 فصل وأما الحلف على المفارقة والوزن فهو الخ 78
23 فصل وأما الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف 78
24 فصل وأما الحالف على ما يخرج من الحالف أو لا يخرج الخ 80
25 فصل وأما الحلف على أمور شرعية الخ 81
26 فصل واما الحلف على أمور متفرقة الخ 87
27 كتاب الطلاق والكلام عليه مطلب في أن صفة الطلاق نوعان سنة وبدعة 88
28 فصل وأما بيان الالفاظ التي يقع بها طلاق السنة فهو نوعين نص ودلالة أما النص الخ 91
29 مطلب وأما الدلالة فنحو أن يقول الخ 92
30 فصل وأما طلاق البدعة فالكلام فيه في ثلاثة مواضع 93
31 فصل وأما حكم الالفاظ التي يقع بها طلاق البدعة 96
32 فصل وأما طلاق البدعة فهو الخ 96
33 فصل وأما قدر الطلاق وعدده فنقول الخ 97
34 فصل وأما بيان ركن الطلاق الخ 98
35 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 99
36 فصل في النية في أحد نوعي الطلاق 101
37 فصل وأما الكناية فنوعان النوع الأول منه الخ 105
38 فصل وأما النوع الثاني فهو الخ 109
39 فصل وأما بيان صفة الواقع بها الخ 109
40 فصل وأما الكناية فثلاثة ألفاظ رواجع بلا خلاف 111
41 فصل وأما قوله أمرك بيدك فالكلام فيه الخ 113
42 فصل واما قوله اختاري فالكلام فيه الخ 118
43 فصل وأما قوله أنت طالق إن شئت فهو الخ 121
44 فصل وأما قوله طلقي نفسك فهو عندنا تمليك الخ 122
45 فصل وأما الرسالة فهو أن يبعث الزوج طلاق امرأته الغائبة الخ 126
46 فصل وأما الذي يرجع إلى المرأة فمنها الملك الخ 126
47 فصل وأما حكم الخلع فنقول الخ 151
48 فصل وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع 152
49 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس الركن الخ 153
50 مطلب وأما أحد نوعي الاستثناء فهو الخ 155
51 مطلب في مسائل نوع من الاستثناء 157
52 فصل وأما الذي يرجع إلى الوقت فهو الخ 161
53 فصل وأما شرائط ركن الايلاء فنوعان 170
54 فصل وأما حكم الايلاء فنقول الخ 175
55 فصل وأما بيان ما يبطل به الايلاء فنوعان 178
56 فصل وأما بيان حكم الطلاق فيختلف الخ 180
57 فصل وأما شرائط جواز الرجعة فمنها الخ 183
58 فصل وأما الطلاق البائن فنوعان الخ 187
59 فصل ومنها أن يكون نكاح الثاني صحيحا 187
60 فصل وأما الذي هو من التوابع فنوعان 190
61 فصل وأما عدة الأشهر فنوعان 192
62 فصل وأما عدة الحمل فهي مدة الحمل 192
63 فصل في بيان مقادير العدة وما تنقضى به 193
64 فصل في بيان ما يعرف به انقضاء العدة 198
65 فصل في بيان انتقال العدة وتغيرها 200
66 فصل وأما تغير العدة فنحو الأمة الخ 201
67 فصل في أحكام العدة 204
68 كتاب الظهار والكلام عليه 229
69 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر 232
70 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر به. 233
71 فصل وللظهار أحكام 234
72 فصل في بيان ما ينتهى به حكم الظهار أو يبطل 235
73 فصل في بيان كفارة الظهار والكلام عليها 235
74 كتاب اللعان والكلام عليه 237
75 فصل في بيان صفة اللعان 238
76 فصل في بيان سبب وجود اللعان 239
77 فصل في شرائط وجوب اللعان وجوازه 240
78 فصل في بيان ما يظهر به سبب وجوب اللعان 243
79 فصل في بيان ما يسقط به للعان بعد وجوبه 243
80 فصل في بيان حكم اللعان 244
81 فصل في بيان ما يبطل به حكم اللعان 248