والابراء اسقاط فكان اسقاطا من كل واحد من الزوجين الحقوق المتعلقة بالعقد المتنازع فيه كالمتخاصمين في الديون إذا اصطلحا على مال سقط بالصلح جميع ما تنازعا كذا بالمبارأة والخلع مأخوذ من الخلع وهو النزع والنزع اخراج الشئ من الشئ فمعنى قولنا خلعها أي أخرجها من النكاح وذلك باخراجها من سائر الأحكام بالنكاح وذلك أنما يكون بسقوط الأحكام الثابتة بالنكاح وهو معنى البراءة فكان الخلع في معنى البراءة والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ وقد خرج الجواب عما ذكره أبو يوسف وأما قول محمد انه لم يوجد منها اسقاط غير المسمى فنقول إن لم يوجد نصا فقد وجد دلالة لما ذكرنا ان لفظ الخلع دليل عليه ولان قصدهما من الخلع قطع المنازعة وإزالة الخلف بينهما والمنازعة والخلف إنما وقعا في حقوق النكاح ولا تندفع المنازعة والخلف الا باسقاط حقوقه فكان ذلك تسمية منها لسائر الحقوق المتعلقة بالنكاح دلالة بخلاف سائر الديون لأنه لا تعلق لها بالنكاح ولم تقع المنازعة فيها ولا في سببها فلا ينصرف الاسقاط إليها بخلاف الطلاق على مال لأنه لا يدل على اسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح لا نصا ولا دلالة وأما نفقة العدة فلأنها لم تكن واجبة قبل الخلع فلا يتصور اسقاطها بالخلع بخلاف النفقة الماضية لأنها كانت واجبة قبل الخلع بفرض القاضي أو بالتراضي فكان الخلع اسقاطا بعد الوجوب فصح ولو خلعها على نفقة العدة صح ولا تجب النفقة ولو أبرأت الزوج عن النفقة في حال قيام النكاح لا يصح الابراء وتجب النفقة لان النفقة في النكاح تجب شيئا فشيئا على حسب حدوث الزمان يوما فيوما فكان الابراء عنها ابراء قبل الوجوب فلم يصح فاما نفقة العدة فإنما تجب عند الخلع فكان الخلع على النفقة مانعا من وجوبها ولا يصح الخلع على السكنى والابراء عنه لان السكنى تجب حقا لله تعالى قال الله تعالى ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة فلا يملك العبد اسقاطه والله تعالى أعلم (فصل) وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع لان كل واحد طلاق بعوض فيعتبر في أحدهما ما يعتبر في الآخر الا انهما يختلفان من وجه وهو ان العوض إذا أبطل في الخلع بان وقع الخلع على ما ليس بمال متقوم يبقى الطلاق بائنا وفي الطلاق على مال إذا أبطل العوض بان سميا ما ليس بمال متقوم فالطلاق يكون رجعيا لأن الخلع كناية والكنايات مبينات عندنا فأما الطلاق على مال فصريح وإنما تثبت البينونة بتسمية العوض إذا صحت التسمية فإذا لم تصح التحقت بالعدم فبقي صريح الطلاق فيكون رجعيا ولو قال لها أنت طالق بألف درهم فقبلت طلقت وعليها الف لان حرف الباء حرف الصاق فيقتضي الصاق البدل بالمبدل وكذلك لو قال أنت طالق على ألف درهم لان على كلمة شرط يقال زرتك على أن تزورني أي بشرط أن تزورني وكذا قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلين الدار كان دخول الدار شرطا كما لو قال إن دخلت الدار وهي كلمة الزام أيضا فكان هذا ايقاع الطلاق بشرط ان تعطيه الألف عقيب وقوع الطلاق ويلزمها الألف فيقع الطلاق بقبولها وتجب عليها الألف ولو قال أنت طالق وعليك ألف درهم طلقت المرأة الرجعية ولا شئ عليها من الألف سواء قبلت أو لم تقبل في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا قبلت طلقت بائنة وعليها الألف وعلى هذا الخلاف إذا قالت المرأة لزوجها طلقني ولك ألف درهم فطلقها انه يقع طلقة رجعية ولا يلزمها البدل في قول أبي حنيفة وعندهما يقع الطلاق وعليها الألف وعلى هذا الخلاف إذا قال لعبده أنت حر وعليك ألف درهم انه يعتق سواء قبل أو لم يقبل في قول أبي حنيفة وعندهما إذا قبل يعتق وعليه الألف وجه قولهما ان هذه الواو واو حال فيقتضي ان وجوب الألف حال وقوع الطلاق والعتاق ولأن هذه اللفظة تستعمل في الابدال فان من قال لآخر احمل هذا الشئ إلى مكان كذا ولك درهم فحمل يستحق الأجرة كما لو قال له احمل بدرهم ولأبي حنيفة ان كل واحدة من الكلامين كلام تام بنفسه أعني قوله أنت طالق وقوله وعليك ألف درهم لان كل واحد منهما مبتدأ وخبر فلا يجعل الثاني متصلا بالأول الا لضرورة والضرورة فيما كان الغالب فيه أن يكون بعوض كما في قوله احمل هذا إلى بيتي ولك ألف ولا ضرورة في الطلاق والعتاق لان الغالب وجودهما بغير عوض فلا يجعل الثاني متصلا بالأول من غير ضرورة وأما قولهما الواو واو حال فممنوع بل واو عطف في الاخبار معناه أخبرك
(١٥٢)