الرخصة للحاجة على ما بينا ولا حاجة إلى البائن لان الحاجة تندفع بالرجعي فكان البائن طلاقا من غير حاجة فلم يكن سنة ولان فيه احتمال الوقوع في الحرام لاحتمال الندم ولا يمكنه المراجعة وربما لا توافقه المرأة في النكاح فيتبعها بطريق حرام وليس في الامتناع عنه احتمال الوقوع في الحرام فيجب التحرز عنه بخلاف الطلاق قبل الدخول لأنه طلاق لحاجة لأنه قد يحتاج إلى الطلاق قبل الدخول ولا يمكن دفع الحاجة بالطلاق الرجعي ولان الطلاق قبل الدخول لا يتصور ايقاعه الا بائنا فكان طلاقا لحاجة فكان مسنونا وكذلك الخلع لأنه تقع الحاجة إلى الخلع ولا يتصور ايقاعه الا بصفة الإبانة ألا ترى انه لا يتصور أن يكون رجعيا ولان الله سبحانه وتعالى رفع الجناح في الخلع مطلقا بقوله عز وجل لا جناح عليهما فيم افتدت به فدل على كونه مباحا مطلقا ثم البدعة في الوقت يختلف فيها المدخول بها وغير المدخول بها فيكره ان يطلق المدخول بها في حالة الحيض ولا يكره ان يطلق غير المدخول بها في حالة الحيض لان الكراهة في حالة الحيض لمكان تطول العدة ولا يتحقق ذلك في غير المدخول بها وأما كونها طاهرا من غير جماع فلا يتصور في غير المدخول بها وأما البدعة في العدد فيستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها لان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب الفصل بينهما وكذا يستوى في السنة والبدعة المسلمة والكتابية والحرة والأمة لان الدلائل لا توجب الفصل بين الكل (فصل) وأما الألفاظ التي يقع بها طلاق البدعة فنحو أن يقول أنت طالق للبدعة أو أنت طالق طلاق البدعة أو طلاق الجور أو طلاق المعصية أو طلاق الشيطان فان نوى ثلاثا فهو ثلاث لان ايقاع الثلاث في طهر واحد لا جماع فيه والواحدة في طهر جامعها فيه بدعة والطلاق في حالة الحيض بدعة فإذا نوى به الثلاث فقد نوى ما يحتمله كلامه فصحت وروى هشام عن محمد انها واحدة يملك بها الرجعة لان البدعة لم يجعل لها وقت في الشروع لتنصرف الإضافة إليه فيلغو قوله للبدعة ويبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة واحدة رجعية وكذلك إذا قال أنت طالق طلاق الجور أو طلاق المعصية أو طلاق الشيطان ونوى الثلاث وان لم تكن له نية فإن كان في طهر جامعها فيه أو في حالة الحيض وقع من ساعته وان لم يكن لا يقع للحال ما لم تحض أو يجامعها في ذلك الطهر والله عز وجل أعلم (فصل) وأما حكم طلاق البدعة فهو انه واقع عند عامة العلماء وقال بعض الناس انه لا يقع وهو مذهب الشيعة أيضا (وجه) قولهم إن هذا الطلاق منهى عنه لما ذكرنا من الدلائل فلا يكون مشروعا وغير المشروع لا يكون معتبرا في حق الحكم ولان الله تعالى جعل لنا ولاية الايقاع على وجه مخصوص ومن جعل له ولاية التصرف على وجه لا يملك ايقاعه على غير ذلك الوجه كالوكيل بالطلاق على وجه السنة إذا طلقها للبدعة انه لا يقع لما قلنا كذا هذا (ولنا) ما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ان بعض آبائه طلق امرأته ألفا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم بانت بالثلاث في معصية وتسعمائة وسبعة وتسعون فيما لا يملك وروى عن ابن عباس رضي الله عنه ما أنه قال إن أحدكم يركب الاحموقة فيطلق امرأته ألفا ثم يأتي فيقول يا ابن عباس يا ابن عباس وأن الله تعالى قال ومن يتق الله يجعل له مخرجا وانك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا بانت امرأتك وعصيت ربك وروينا عن عمر رضي الله عنه انه كان لا يؤتى برجل قد طلق امرأته ثلاثا الا أوجعه ضربا وأجاز ذلك عليه وكانت قضاياه بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فيكون اجماعا منهم على ذلك (وأما) قولهم إن غير المشروع لا يكون معتبرا في حق الحكم فنعم لكن الطلاق نفسه مشروع عندنا فيه حظر وإنما الحظر والحرمة في غيره وهو ما ذكرنا من الفساد والوقوع في الزنا والسفه وتطويل العدة وإذا كان مشروعا في نفسه جاز أن يكون معتبرا في حق الحكم وان منع عنه لغيره كالبيع وقت أذان الجمعة والصلاة في الأرض المغصوبة ونحو ذلك وقد خرج الجواب عن الوجه الثاني وهو ان من ولى تصرفا مشروعا لا يملك ايقاعه الا على الوجه الذي ولى لأنه ما أوقع الطلاق الا على الوجه الذي ولى ايقاعه لأنه تصرف مشروع في نفسه لا يتصور ايقاعه غير مشروع الا أنه بهذا الطلاق باشر تصرفا مشروعا وارتكب محضورا فيأثم
(٩٦)