العشرة معهن لا مخرج النهى والعتاب وإن كانت صيغته صيغة النهى والعتاب وهو كقوله تعالى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات والثاني إن كان ذلك الخطاب عتابا فيحتمل انه إنما عوتب لأنه فعل بلا اذن سبق من الله عز وجل وإن كان ما فعل مباحا في نفسه وهو منع النفس عن تناول الحلال والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعاتبون على أدنى شئ منهم يوجد مما لو كان ذلك من غيرهم لعد من أفضل شمائله كما قال تعالى عفا الله عنك لم أذنت لهم وقوله عبس وتولى ان جاءه الأعمى ونحو ذلك والثاني إن كان هذا تحريم الحلال لكن لم قلت إن كل تحريم حلال من العبد تغيير للشرع بل ذلك نوعان تحريم ما أحله الله تعالى مطلقا وذلك تغيير بل اعتقاده كفر وتحريم ما أحله الله مؤقتا إلى غاية لا يكون تغييرا بل يكون بيان نهاية الحلال ألا ترى ان الطلاق مشروع وإن كان تحريم الحلال لكن لما كان الحل مؤقتا إلى غاية وجود الطلاق لم يكن التطليق من الزوج تغيير للشرع بل كان بيان انتهاء الحل وعلى هذا سائر الأحكام التي تحتمل الارتفاع والسقوط وعلى هذا سبيل النسخ فيما يحتمل التناسخ فكذا قوله لامرأته أنت على حرام وان نوى بقوله أنت على حرام الظهار كان ظهارا عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد لا يكون ظهارا (وجه) قوله إن الظهار تشبيه الحلال بالحرام والتشبيه لا بد له من حرف التشبيه ولم يوجد فلا يكون ظهارا ولهما انه وصفها بكونها محرمة والمرأة تارة تكون محرمة بالطلاق وتارة تكون محرمة بالظهار فأي ذلك نوى فقد نوى ما يحتمله كلامه فيصدق به هذا إذا أضاف التحريم إلى المرأة فأما إذا أضافه إلى الطعام أو الشراب أو اللباس بان قال هذا الطعام على حرام أو هذا الشراب أو هذا اللباس فهو يمين عندنا وعليه الكفارة إذا فعل وقال الشافعي إذا قال ذلك في غير الزوجة والجارية لا يجب شئ وهي مسألة تحريم الحلال انه يمين أم لا وجه قول الشافعي في المسألة الأولى ما ذكرنا في المسألة الأولى (ولنا) قوله عز وجل يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قيل نزلت الآية في تحريم العسل وقد سماه الله تعالى يمينا بقوله سبحانه وتعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فدل ان تحريم غير الزوجة والجارية يمين موجب للكفارة لان تحلة اليمين هي الكفارة فان قيل فقد روى أنها نزلت في تحريم جاريته مارية فالجواب انه لا يمتنع أن تكون الآية الكريمة نزلت فيهما لعدم التنافي ولأنه لو أضاف التحريم إلى الزوجة والجارية لكان يمينا فكذا إذا أضيف إلى غيرهما كان يمينا كلفظ القسم إذا أضيف إلى الزوجة والجارية كان يمينا وإذا أضيف إلى غيرهما كان يمينا أيضا كذا هذا فان فعل كان يمينا مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث وانحلت اليمين لان التحريم المضاف إلى المعين يوجب تحريم كل جزء من أجزاء المعين كتحريم الخمر والخنزير والميتة والدم فإذا تناول شيئا منه فقد فعل المحلوف عليه فيحنث وتنحل اليمين بخلاف ما إذا حلف لا يأكل هذا الطعام فأكل بعضه انه لا يحنث لان الحنث هناك معلق بالشرط وهو أكل كل الطعام والمعلق بشرط لا ينزل عند وجود بعض الشرط ولو قال نسائي علي حرام ولم ينو الطلاق فقرب إحداهن كفر وسقطت اليمين فيهن جميعا لأنه أضاف التحريم إلى جمع فيوجب تحريم كل فرد من أفراد الجمع فصار كل فرد من أفراد الجمع محرما على الانفراد فإذا قرب واحدة منهن فقد فعل ما حرمه على نفسه فيحنث وتلزمه الكفارة وتنحل اليمين وان لم يقرب واحدة منهن حتى مضت أربعة أشهر بن جميعا لان حكم الايلاء لا يثبت في حق كل واحدة منهن على انفرادها والايلاء يوجب البينونة بمضي المدة من غير فئ هذا إذا أضاف التحريم إلى نوع خاص فاما إذا أضافه إلى الأنواع كلها بان قال كل حلال على حرام فإن لم تكن له نية فهو على الطعام والشراب خاصة استحسانا والقياس ان يحنث عقيب كلامه وهو قول زفر وجه القياس ان اللفظ خرج مخرج العموم فيتناول كل حلال وكما فرغ عن يمينه لا يخلو عن نوع حلال يوجد منه فيحنث وجه الاستحسان ان هذا عام لا يمكن العمل بعمومه لأنه لا يمكن حمله على كل مباح من فتح عينه وغض بصره وتنفسه وغيرها من حركاته وسكناته المباحة لأنه لا يمكنه الامتناع عنه والعاقل لا يقصد بيمينه منع نفسه عما لا يمكنه الامتناع عنه فلم يمكن العمل بعموم هذا اللفظ فيحمل على الخصوص وهو الطعام والشراب باعتبار العرف والعادة لان هذا اللفظ مستعمل فيهما في العرف ونظيره
(١٦٩)