وعشرين يوما لان نقصان الشهر يكون من آخره والله عز وجل أعلم ولو حلف لا يكلم فلانا أو فلانا فكلم أحدهما حنث لان كلمة أو إذا ذكرت عقيب كلمة النفي أوجبت انتفاء كل واحد من المذكورين على الانفراد قال الله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا أي ولا كفورا وكذلك لو قال ولا فلانا لان كلمة النفي إذا أعيدت تناولت كل واحد من المذكورين على حياله قال الله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ولو حلف لا يكلم فلانا وفلانا لم يحنث حتى يكلمهما لان حرف الواو للجمع والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فكأنه حلف لا يكلمهما فقد علق الجزاء بشرطين فلا ينزل عن وجود أحدهما دون الآخر ولو حلف لا يكلم فلانا وفلانا أو فلانا فان كلم أحد الأولين لا يحنث ما لم يكلمهما وان كلم الثالث حنث لأنه جعل شرط الحنث كلام الأولين جميعا أو كلام الثالث فأي ذلك وجد حنث ولو قال لا أكلم هذا أو هذا وهذا فان كلم الأول حنث وان كلم أحد الآخرين لم يحنث لأنه جعل شرط الحنث كلام الأول أولا ثم الآخرين فيراعى شرطه ولو حلف لا يكلم الناس أو لا يكلم بني آدم فكلم واحدا منهم يحنث لأنه لا يمكن حمله على الجنس والعموم لان الحالف إنما يمنع نفسه عما في وسعه وليس في وسعه تكليم الناس كلهم فلم يكن ذلك مراده والى هذا أشار محمد في الجامع فقال ألا ترى أنه لا يقدر أن يكلم بني آدم كلمهم وليس ههنا معهود يصرف اللفظ إليه فتعين الصرف إلى بعض الجنس ويضمر فيه لفظة البعض وأن عنى به الكل لا يحنث أبدا ويكون مصدقا فيما بينه وبين الله عز وجل وفي القضاء أيضا لأنه نوى حقيقة كلامه وهي الجنس وروى عن أبي يوسف انه لا يدين في القضاء لأنه لا يراد الجنس بهذا الكلام فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء وعلى هذا إذا حلف لا يتزوج النساء أو لا يشترى العبيد ولو حلف لا يبتدئ فلانا بكلامه أبدا فالتقيا فسلم كل واحد منهما على صاحبه معا لم يحنث الحالف لعدم شرط الحنث وهو ابتداؤه فلانا بالكلام لان ذلك بتكليمه قبل تكليم صاحبه ولم يوجد وكذلك لو قال إن كلمتك قبل أن تكلمني فإنه لما خرج كلامهما معا فلم يكلم الحالف قبل تكليمه فلم يوجد شرط الحنث ولو قال إن كلمتك حتى تكلمني فتكلما معا لم يحنث في قول أبى يوسف وقال محمد يحنث وجه قوله أن الحالف بقوله إن كلمتك منع نفسه عن تكليمه مطلقا وجعل تكليم صاحبه إياه غاية لانحلال اليمين فإذا كلمه قبل وجود الغاية حنث ولأبي يوسف أن غرض الحالف من هذا الكلام أن يمنع نفسه عن تكليم المحلوف عليه قبل كلامه ولم يوجد ذلك فصار كأنه قال إن بدأتك وعلى هذا الخلاف إذا قال لا أكلمك الا أن تكلمني لان كلمة الا أن إذا دخلت على ما يتوقت كانت بمعنى حتى قال الله تعالى لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا أن تقطع قلوبهم وكذلك لو حلف لا يدخل هذه الدار حتى يدخلها فلان وحلف الآخر على مثل ذلك فدخلا جميعا لم يحنث عند أبي يوسف ويحنث عند محمد والله عز وجل أعلم (فصل) وأما الحلف على الاظهار والافشاء والاعلان والكتمان والاسرار والاخفاء والاخبار والبشارة والقراءة ونحوها إذا حلف لا أظهر سرك لفلان أو لا أفشى أو حلف ليكتمن سره أو ليسترنه أو ليخفينه فكلم فلانا بسره أو كتب إليه فبلغه الكتاب أو أرسل إليه رسولا فبلغه الرسالة أو سأله فلان عن ذلك وقال أكان من الامر كذا فأشار الحالف برأسه أي نعم فهو حانث لوجود شرط الحنث وهو اظهار السر إذ الاظهار اثبات الظهور وذلك لا يقف على العبارة بل يحصل بالدلالة والإشارة ألا ترى أنه يقال ظهر لي اعتقاد فلان إذا فعل ما يدل على اعتقاده وكذا الإشارة بالرأس عقيب السؤال يثبت به ظهور المشار إليه فكان اظهارا فان نوى به الكلام أو الكتاب دون الايماء دين في ذلك لأنه نوى تخصيص ما في لفظه فيدين فيما بينه وبين الله عز وجل وكذلك لو حلف لا يعلم فلانا بمكان فلان فسأله المحلوف عليه أفلان في موضع كذا وكذا فأومأ برأسه أي نعم يحنث لوجود شرط الحنث وهو الاعلام إذ هو اثبات العلم الذي يحد بأنه صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هي به فان نوى به الاخبار بالكلام أو بالكتاب يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى تخصيص العموم وانه جائز وإن كان خلاف الظاهر فيصدق فيما بينه وبين الله
(٥٣)