(الشرح) الأحكام: لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال:
(أحدها) أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف لان ما نهاه عنه غير داخل في اذنه كما لو لم يوكله.
(الثاني) أذن له في التوكيل فيجوز له ذلك، لأنه عقد أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه، ولا نعلم في هذا خلافا، فإن قال له: وكلتك فاصنع ما شئت فهل له أن يوكل؟ نظرت فإن كان ما وكله فيه مما يمكن أن يتولاه الوكيل ويقدر عليه، فإنه ليس له التوكيل، لأنه موكل بتصرف يتولاه بنفسه، وقوله اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه، وقال أصحاب أحمد له أن يوكل من شاء لدخوله في عموم التوكيل.
ولنا أنه إذا كان ما وكل به كثير الجوانب متعدد الجهات بحيث يحتاج الوكيل إلى من يعينه على أدائه، ومثله لو كان العمل شاقا لا يقدر مثله على القيام به، ويحتاج إلى شخص قوى يؤديه جاز له توكيله، ومثل ذلك لو كان العمل يحتاج إلى مهارة أو فن خاص له دارسوه والمتخصصون فيه كالهندسة ونحوها جاز له توكيله، وكذلك لو كان عملا سهلا ولكنه من الأعمال التي يترفع مثله عن القيام بها لدناءتها جاز له أن يوكل من يقوم به.
(الثالث) أطلق الوكالة فلا يخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون العمل من الأعمال التي أشرنا إليها مما يرتفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس أو يعجز عن فعلها أو لأي اعتبار مما ذكرنا آنفا فإن الاذن ينصرف إلى ما جرت به العادة من الاستنابة، وبه قال أحمد وأصحابه، القسم الثاني. أن يكون مما يعجز عن عمله لكثرته وانتشاره فجاز التوكيل في بعضه فيما لا يقدر عليه منه، أما التوكيل في جميعه فيجوز عند أصحاب أحمد، أما عند أصحابنا فوجهان (أحدهما) له أن يوكل في جميعه لأنه ملك التوكيل فملك في جميعه كالموكل (والثاني) ليس له أن يوكل الا فيما لا يقدر عليه منه، وإنما أذن له فيما لا يقدر عليه للعجز، وبقى ما يقدر عليه على مقتضى التوكيل، وهذا قول عند أصحاب أحمد ذكره ابن قدامة عن القاضي.