القبض إذنا في التثبيت، وإن وكله في بيع سلعة فباعها لم يملك الابراء من الثمن، لان الاذن في البيع ليس بإذنه في الابراء من الثمن. وهل يملك قبضه أم لا؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يملك، لان الاذن في البيع ليس بإذن في قبض الثمن من جهة النطق ولا من جهة العرف، لأنه قد يرضى الانسان للبيع من لا يرضاه للقبض (والثاني) أنه يملك، لان العرف في البيع تسليم للمبيع وقبض الثمن، فحملت الوكالة عليه، وإن وكله في شراء عبد فاشتراه وسلم الثمن ثم استحق العبد فهل يملك أن يخاصم البائع في درك الثمن. فيه وجهان (أحدهما) يملك، لأنه من أحكام العقد (والثاني) لا يملك، لان الذي وكل فيه هو العقد، وقد فرغ منه فزالت الوكالة.
(الشرح) الأحكام: إذا وكل رجلا في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره، وبهذا قال أحمد ومالك وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة ومحمد: يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص. وقال أبو يوسف يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره، لان الاقرار أحد جوابي الدعوى فصح من الوكيل كالانكار دليلنا أن الاقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها، فلا يملكه الوكيل فيها كالابراء، وفارق الانكار فإنه لا يقطع الخصومة، ويملكه في الحدود وفى غير مجلس الحاكم، ولان الوكيل لا يملك الانكار على وجه يمنع الموكل من الاقرار فلو ملك الاقرار لامتنع على الموكل الاقرار فافترقا. ولا يملك المصالحة عن الحق ولا الابراء منه بغير خلاف نعلمه، لان الاذن في الخصومة لا يقتضى شيئا من ذلك، وان أذن له في تثبيت حق لم يملك قبضه، وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة يملك قبضه، لان المقصود من التثبيت قبضه وتحصيله.
دليلنا أن القبض لا يتناوله الاذن نطقا ولا عرفا، إذ ليس كل من يرضاه لتثبيت الحق يرضاه لقبضه وإن وكله في قبض حق فجحد من عليه الحق فهل يملك القيام بتثبيت الحق على الجاحد. فيه وجهان لأصحابنا (أحدهما) لا يملك وليس له ذلك، وهو أحد