قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويجوز التوكيل في اثبات الأموال والخصومة فيها لما روى أن عليا كرم الله وجهه وكل عقيلا (رض) عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقال:
ما قضى له فلي وما قضى عليه فعلي، ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان (رض) وقال علي: إن للخصومات قحما. قال أبو زياد الكلابي: القحم المهالك، ولان الحاجة تدعو إلى التوكيل في الخصومات لأنه قد يكون له حق أو يدعى عليه حق ولا يحسن الخصومة فيه، أو يكره أن يتولاها بنفسه، فجاز أن يوكل فيه.
ويجوز ذلك من غير رضى الخصم، لأنه توكيل في حقه فلا يعتبر فيه رضى من عليه كالتوكيل في قبض الديون، ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف لأنه حق آدمي فجاز التوكيل في إثباته كالمال، ولا يجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى لان الحق له، وقد أمرنا فيه بالدرء والتوصل إلى إسقاطه، وبالتوكيل يتوصل إلى إيجابه فلم يجز، ويجوز التوكيل في استيفاء الأموال، لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث العمال لقبض الصدقات وأخذ الجزى. ويجوز في استيفاء حدود الله تعالى، لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيسا لإقامة الحد وقال: يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، ووكل عثمان (رض) عليا كرم الله وجهه ليقيم حد الشرب على الوليد بن عقبه. وأما القصاص وحد القذف فإنه يجوز التوكيل في استيفائهما بحضرة الموكل لان الحاجة تدعو إلى التوكيل فيه لأنه قد يكون له حد أو قصاص ولا يحسن أن يستوفيه فجاز أن يوكل فيه غيره، وهل يجوز أن يستوفيه في غيبة الموكل؟ قال في الوكالة: لا يستوفى، وقال في الجنايات: ولو وكل فتنحى به فعفا الموكل فقتله الوكيل بعد العفو، وقبل العلم بالعفو، ففي الضمان قولان. وهذا يدل على أنه يجوز أن يقتص مع غيبة الموكل، فمن أصحابنا من قال: يجوز قولا واحدا، وهو قول أبي إسحاق، لأنه حق يجوز أن يستوفيه بحضرة الموكل فجاز في غيبته كأخذ المال، وحمل قوله لا يستوفى على الاستحباب، ومنهم من قال لا يجوز قولا واحدا، لان القصاص والحد يحتاط في إسقاطهما، والعفو مندوب إليه فيهما، فإذا حضر رجونا أن يرحمه فيعفو عنه، وحمل قوله في الجنايات على أنه أراد إذا تنحى به ولم يغب عن عينه فعفا ولم يسمع الوكيل فقتل.