(فصل) وإن غصب من رجل طعاما فأطعمه رجلا فللمالك أن يضمن الغاصب لأنه غصبه، وله أن يضمن الآكل لأنه أكل ما لم يكن له أكله فإن ضمن الآكل نظرت فان علم أنه مغصوب فأكله لم يرجع على الغاصب بما ضمن لأنه غاصب استهلك المغصوب فلم يرجع بما ضمنه فان أكل ولم يعلم أنه مغصوب ففيه قولان.
(أحدهما) يرجع لأنه غره وأطعمه على أن لا يضمنه.
(والثاني) لا يرجع لأنه حصل له منفعة، فان أطعمه المالك فان علم أنه له برئ الغاصب من الضمان، لأنه استهلك ماله برضاه مع العلم به، وإن لم يعلم ففيه قولان (أحدهما) يبرأ الغاصب لأنه عاد إلى يده فبرئ الغاصب من الضمان، كما لو رده عليه (والثاني) لا يبرأ لأنه إنما ضمن، لأنه أزال يده وسلطانه عن المال وبالقديم إليه ليأكله لم تعد يده وسلطانه، لأنه لو أراد أن يأخذه لم يمكنه فلم يزل الضمان.
(الشرح) قال الشافعي: ولو كان لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارا أخذ بقلعه، وهذا كما قال: إذا غصب لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه سفينة أو دارا أخذ بهدم بنائه اللوح بعينه إلى صاحبه، وبه قال مالك وأهل الحرمين، وقال أبو حنيفة وأهل العراق يدفع القيمة ولا يجبر على هدم البناء لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار، فمن ضار أضر الله به، ومن شاق شق الله عليه وفى أخذه بهدم بنائه أعظم إضرار به. ولقوله صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا إني بعثت بالحنيفية السمحة.
وفى أخذ القيمة منه تيسير، وفى هدم بنائه تعسير منهى عنه، ولأنه مغصوب يستضر برده فلم يجبر عليه كالخيط إذا خاط به جرح حيوان، ولأنه مغصوب لا يملك رده إلا باستهلاك مال فلم يجب رده كما لو كان في السفينة مال لغير الغاصب ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " فلزمه رد اللوح، وروى عبد الله بن مسعود مرفوعا: لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه، وذلك لشدة ما حرم الله مال المسلم على المسلم، وهذا خبر ظاهره كالنص، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إن لصاحب الحق يدا ومقالا،