هذا فإن قال قائل فكيف لا تجيز شهادة بعضهم على بعض وفي ذلك إبطال الحكم عنهم؟ قيل قال الله عز وجل (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) وقال (ممن ترضون من الشهداء) فلم يكونوا من رجالنا ولا ممن نرضى من الشهداء فلما وصف الشهود منا دل على أنه لا يجوز أن يقضى بشهادة شهود من غيرنا لم يجز أن نقبل شهادة غير مسلم وأما إبطال حقوقهم فلم نبطلها إذا إذا لم يأتنا ما يجوز فيه وكذلك يصنع بأهل البادية والشجر والبحر والصناعات لا يكون منهم من يعرف عدله وهم مسلمون. فلا يجوز شهادة بعضهم على بعض وقد تجرى بينهم المظالم والتداعي والتباعات كما تجرى بين أهل الذمة ولسنة آثمين فيما جنى جانيهم ومن أجاز شهادة من لم يؤمر بإجازة شهادته أثم بذلك لأنه عمل نهى عن عمله فإن قال: فإن الله عز وجل يقول (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) قرأ الربيع إلى (فيقسمان بالله) فما معناه؟ قيل والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حبان قال بكير قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قوله تبارك وتعالى (اثنان ذوا عدل منكم) الآية أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي والآخر يماني صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية (1) وبز ورقة فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاء ببعض ماله وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا قالوا فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) إلى آخر الآية فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وأنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا (ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) فلما حلفا خلى سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناءا من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا اشتريناه منه في حياته وكذبا فكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (فإن عثر) يقول فإن اطلع (على أنهما استحقا إثما) يعنى الداريين أي كتما حقا (فآخران) من أولياء الميت (يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله) فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق (وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين) هذا قول الشاهدين أولياء الميت (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) يعنى الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يعنى من كان في مثل حال الداريين من الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال وإن كان لم يوضح بعضه لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان لا في الشهود فإن قال فكيف تسمى في هذا الوضع شهادة؟ قيل كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم فإن قال قائل فكيف لم تحتمل الشهادة؟ قيل ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ولا يجوز أن يكون إجماعهما خلافا
(٢٢١)