خوطبت به وظاهره عام على كل عقد ويشبه والله تعالى أعلم أن يكون أراد الله عز وجل أن يوفى بكل عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية فإن قال قائل ما دل على ما وصفت والامر فيه كله مطلق؟ ومن أين كان لاحد أن ينقص عهدا بكل حال؟ قيل الكتاب ثم السنة صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن " ففرض الله عز وجل عليهم أن لا ترد النساء وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عز وجل عليه " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " الآية. وأنزل " كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا " الآية. فإن قال قائل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية ومن صالح من المشركين؟ قيل كان صلحه لهم طاعة لله، إما عن أمر الله عز وجل بما صنع نصا، وإما أن يكون الله تبارك وتعالى جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعة في وقته، فإن قال قائل وهل لاحد أن يعقد عقدا منسوخا ثم يفسخه؟ قيل له أن يبتدئ عقدا منسوخا وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه كما ليس له أن يصلى إلى بيت المقدس ثم يصلى إلى الكعبة لأن قبلة بيت المقدس قد نسخت. ومن صلى إلى بيت المقدس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نسخها فهو مطيع لله عز وجل كالطاعة له حين صلى إلى الكعبة. وذلك أن قبلة بيت المقدس كانت طاعة لله قبل أن تنسخ ومعصية بعدما نسخت، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله عز وجل فلا يزاد فيها ولا ينقص منها فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية، وهذا فرق بين نبي الله وبين من بعده من الولاة في الناسخ والمنسوخ وفى كل ما وصفت دلالة على أن ليس للإمام ان يعقد عقدا غير مباح له وعلى أن عليه إذا عقده أن يفسخه ثم تكون طاعة الله في نقضه، فإن قيل فما يشبه يشبه هذا؟ قيل له هذا مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه " وأسر المشركون امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت الأنصارية على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فنذرت إن نجاها الله عز وجل عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يعنى والله تعالى أعلم لا نذر يوفى به فلما دلت السنة على إبطال النذر فيما يخالف المباح من طاعة الله عز وجل دل على إبطاله العقود في خلاف ما يباح من طاعة الله عز وجل ألا ترى أن نحر الناقة لم يكن معصية لو كانت لهما فلما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنذرت نحرها كان نحرها معصية بغير إذن مالكها فبطل عنها عقد النذر، وقال الله تبارك وتعالى في الايمان " لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " فأعلم أن طاعة الله عز وجل أن لا يفي باليمين إذا رأى غيرها خيرا منها وأن يكفر بما فرض الله عز وجل من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد لمسلم أو مشرك كان مباحا لا معصية لله عز وجل فيه فأما ما فيه لله معصية فطاعة الله تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى ولا ينبغي للإمام ان يعقده.
(١٩٥)