صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فبين في كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم مالا تمتنع منه العقول من أن المرء إذا كان مالكا لرجل فأعتقه فانتقل حكمه من العبودية إلى الحرية فجازت شهادته وورث وأخذ سهمه في المسلمين وحد حدودهم وحد له فكانت هذه الحرية إنما تثبت العتق للمالك وكان المالك المسلم إذا أعتق مسلما ثبت ولاؤه عليه فلم يكن للمالك المعتق أن يرد ولاءه فيرده رقيقا ولا يهبه ولا يبيعه ولا للمعتق ولا لهما لو اجتمعا على ذلك فهذا مثل النسب الذي لا يحول وبين في السنة وما وصفنا في الولاء أن الولاء لا يكون بحال إلا لمعتق ولا يحتمل معنى غير ذلك فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل له إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى الله وأن في قول الله تبارك وتعالى معنيين أحدهما أنها لمن سميت له والآخر أنها لا تكون لغيرهم بحال وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " فلو أن رجلا لا ولاء له والى رجلا أو أسم على يديه لم يكن مولى له بالاسلام ولا الموالاة ولو اجتمعا على ذلك وكذلك لو وجده معبودا فالتقطه ومن لم يثبت له ولاء بنعمة تجرى عليه للمعتق فلا يقال لهذا مولى أحد ولا يقال له مولى المسلمين فإن قال قائل فما باله إذا مات كان ماله للمسلمين؟ قيل له ليس بالولاء ورثوه ولكن ورثوه بأن الله عز وجل من عليهم بأن خولهم ما لا مالك له دونه فلما لم يكن لميراث هذا مالك بولاء ولا بنسب ولا له مالك معروف كان مما خولوه فإن قال وما يشبه هذا؟ قيل الأرض في بلاد المسلمين لا مالك لها يعرف هي لمن أحياها من المسلمين والذي يموت ولا وارث له يكون ماله لجماعتهم لا أنهم مواليه. ولو كانوا أعتقوه لم يرثه من أعتقه منهم وهو كافر ولكنهم خولوا ماله بأن لا مالك له. ولو كان حكم المسلمين في الذي لا ولاء له إذا مات أنهم يرثونه بالولاء حتى كأنه أعتقه جماعة المسلمين وجب علينا فيه أمران. أحدهما أن ينظر إلى الحال التي كان فيها مولودا لا رق عليه ومسلما فيجعل ورثته الاحياء يومئذ من المسلمين دون من حدث منهم فإن ماتوا ورثنا ورثة الاحياء يومئذ من الرجال ماله أو جعلنا من كان حيا من المسلمين يوم يموت ورثته قسمناه بينهم قسم ميراث الولاء. ولا نجعل في واحدة من الحالين ماله لأهل بلد دون أهل بلد وأحصينا من في الأرض من المسلمين ثم أعطينا كل واحد منهم حظه من ميراثه كما يصنع بجماعة لو أعتقت واحدا فتفرقوا في الأرض ونحن والمسلمون إنما يعطون ميراثه أهل البلد الذي يموت فيه دون غيرهم ولكنا إنما جعلناه للمسلمين من الوجه الذي وصفت لا من أنه مولى لاحد فكيف يكون مولى لاحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فإنما الولاء لمن أعتق " وفى قوله إنما الولاء لمن أعتق تثبيت أمرين أن الولاء للمعتق بأكيد (1) ونفى أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق وهذا غير معتق (قال الشافعي) ومن أعتق عبدا له سائبة فالعتق ماض وله ولاؤه. ولا يخالف المعتق سائبة في ثبوت الولاء عليه والميراث منه غير السائبة لأن هذا معتق وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وهكذا المسلم يعتق مشركا فالولاء للمسلم وإن مات المعتق لم يرثه مولاه باختلاف الدينين، وكذلك المشرك الذمي وغير الذمي فالعتق جائز والولاء للمشرك المعتق وإن مات المسلم المعتق لم يرثه المشرك الذي أعتقه باختلاف الدينين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فكان هذا في النسب والولاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص واحدا منهم دون الآخر (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لعبده أنت حر عن فلان
(١٣٣)