إن النفس القدسية التي تستعد بعد انقطاع الوحي بختم النبوة، لأن تلاقي من يكون مقامه عند سدرة المنتهى، هي النفس التي تكون بضعة من العقل الكل، وبالجاذبية التي ورثتها من الحقيقة المحمدية تجذب الذي هو شديد القوى من الأفق الأعلى لتسليتها، فيصير مصحفها الذي ألقاه الروح الأمين وكتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) إحدى خزائن علوم الأئمة المعصومين (عليهم السلام) المشتملة على علم ما يكون.
وبالتأمل في هذه الصحيحة يظهر سر تسميتها بالمحدثة، ولولا السنخية مع الملأ الأعلى بلطافة روحها عن كدورات عالم المادة، لم يتيسر لها مجالسة روح القدس، وهذا وجه تسميتها بالحوراء الإنسية.
ولا عجب من وصولها إلى هذه المقامات العالية، وطيها درجات مرقاة الكمال، إلى أن وصلت إلى مرتبة توجب حيرة الكمل، فإن الانسان يمتاز عن سائر الخلق بتركبه من الشهوة والغضب، والعقل والإرادة، فإن صارت الإرادة مقهورة للشهوة والغضب يتنزل إلى مرتبة الحيوانية {أولئك كالانعام بل هم أضل} (1)، وإن صارت مقهورة للعقل صار الانسان بالقوة إنسانا بالفعل، وبغلبة جنود العقل على جنود الجهل يتسلط على نفسه، ويصعد بروحه من حضيض الأرض إلى ملكوت السماء.