وحيث يستحيل الوضع والنسبة إلى المعدوم، فلا يمكن تأثير المادة والطبيعة في الموجودات المختلفة المسبوقة بالعدم، فوجود كل ما كان معدوما دليل على وجود قدرة لا يحتاج تأثيرها إلى الوضع والمحاذاة، وتكون ما وراء الأجسام والجسمانيات {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (1).
الطريق الرابع:
الإيمان بالله تعالى مغروز في فطرة الانسان، فالإنسان بفطرته يجد نفسه موجودا ضعيفا محتاجا إلى قدرة يستند إليها، وإلى غني يستمد منه، لكن انشغاله بمشاغله المختلفة، وعواطفه تجاه ما يحبه من علائقها، يحجبه عن وجدانه ومعرفته.
ثم عندما يقع في خطر ويفقد الأمل بكل أسباب النجاة، ويرى كل شعلة فكر خامدة، وكل قدرة عاجزة، تستيقظ فطرته النائمة، ويتجه - بلا اختيار - إلى القادر الغني بالذات الذي يستند إليه ويستمد منه بفطرته.
{قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجينا من هذه لنكونن من الشكرين} (2)، {وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله} (3)، {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة و فرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم