ونقتصر في هذا المختصر بذكر حديثين في المساوئ والمكارم، وفي كل جملة منهما أبواب من الحكمة العملية لمن تدبر فيها، ولا مجال لشرحها.
الحديث الأول:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرجل سأله أن يعظه:
لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجئ التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، ويقيم على ما يكره الموت من أجله، إن سقم ظل نادما، وإن صح أمن لاهيا، يعجب بنفسه إذا عوفي، ويقنط إذا ابتلي، إن أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترا، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله، إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن، يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة.
يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ، فهو بالقول مدل، ومن العمل مقل، ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى الغنم مغرما، والغرم مغنما، يخشى الموت ولا يبادر الفوت، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره، فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه، ولا يحكم عليها لغيره، يرشد غيره ويغوي نفسه، فهو يطاع ويعصي، ويستوفي ولا يوفي، ويخشى الخلق في غير ربه، ولا يخشى ربه في خلقه (1).