ولهذا لا يحد بالأين والكيف، ولا يحس بحاسة ولا يقاس بشئ.
ومعنى قوله (عليه السلام): " ويلك لما عجزت... " أن الذي يحصر الوجود بالمحسوس غافل عن أن الحس موجود ولكنه ليس بمحسوس، فالسمع - مثلا - موجود وليس بمسموع، والبصر موجود وليس بمرئي، والإنسان يدرك أن غير المتناهي غير محدود، مع أن كل محسوس محدود، وكم من الموجودات الذهنية والخارجية هي وراء الحس والمحسوس.
واغتر هذا الشخص بظنه أن الموجود منحصر في المحسوس، فأنكر خالق الحس والمحسوس، فهداه الإمام (عليه السلام) إلى أن خالق الحس والمحسوس، والوهم والموهوم، والعقل والمعقول، لا يحويه حس، ولا وهم، ولا عقل، لأن كل قوة مدركة تحيط بما تدركه، والخالق محيط بالخلق، فلا يمكن أن يكون خالق قوى الحس والوهم والعقل المحيط بها، واقعا في حيطة إدراكها، فيكون المحيط محاطا!
ثم، لو كان الله تعالى محسوسا أو موهوما أو معقولا يحويه الذهن، لصار شبيها بما تدركه هذه القوى وشريكا له، وجهة الاشتراك تستلزم جهة اختصاص، فيكون وجوده مركبا، والتركيب من صفات المخلوق لا الخالق، فلو كان الله تعالى يحويه حس أو وهم أو عقل، لكان مخلوقا لا خالقا.
الطريق الثالث:
إن التطورات الحادثة في المادة والطبيعة دليل على وجود قدرة فائقة عليهما، لأن تأثير المادة والمادي يحتاج إلى وضع ومحاذاة، فمثلا: لا يصير الجسم حارا بتأثير النار إلا إذا كان لها نسبة ووضع خاص منه، والمصباح إنما يضئ فضاء يكون على وضع خاص ونسبة خاصة منه.