وفعل كل فاعل إما لحاجة إلى الفعل أو لفائدة عائدة إليه مادية أو معنوية، والغرض من أفعاله سبحانه لا يعود إليه وإنما هو جود بالإيجاد لإيصال العباد إلى الكمال بالمعرفة والعبادة وإجابة الدعوة والإطاعة المنتهية إلى السعادة.
وبينت (عليها السلام) أن كل كائن من الكائنات وكل صورة من المخلوقات مثبت لحكمة الله، ومظهر لقدرة الله، ومنبه على طاعة الله، وداع إلى عبادة الله، وموجب لعزة دعوة الدعاة إلى الله، لدلالته على صدق دعوتهم إلى أنه لا إله إلا الله {سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} (1).
ثم بينت (عليها السلام) أن الثواب على الطاعة مجعول منه تعالى، والعقاب على المعصية موضوع منه تعالى، وحكمة جعل الثواب على الطاعة سوق العباد إلى الجنة، وحكمة وضع العقاب على المعصية صيانة العباد من النقمة، فإن الموصل إلى كل كمال وفضيلة والرادع عن كل منقصة ورذيلة هو الخوف والرجاء، ولا يتحققان إلا بالثواب والعقاب.
* ثم قالت (عليها السلام): " وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن اجتبله [اجتباه]، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأحاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور، ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم ".