بعد أن شهدت بوحدانية الله حق الشهادة، شهدت بعبودية أبيها لله ورسالته، وأشارت إلى ما يتعلق بأشرف الخلائق وخاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) من بدء خلقته إلى بعثته، وما اختص به من اختيار الله له، واصطفائه من خلقه، وحكمة بعثته، وثمرة رسالته من إنقاذ الأمم المتفرقة في أديانهم بتوحيد الكلمة على كلمة التوحيد {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (1)، وتطهيرهم من الرجس من الأوثان بعبادة الرحمن، وأخذ الإقرار بالله منهم بعد الانكار مع عرفانهم بفطرتهم {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} (2).
فأنار الله به عن العقول ظلم الأوهام، وكشف به عن القلوب بهم الشبهات، وجلى الغمم والغشاوة عن الأبصار بما جاء به من البصائر من ربهم، فقام في الناس بالهداية التي قال الله تعالى: {وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم} (3)، وأنقذهم من الغواية التي قال الشيطان عنها {فبعزتك لأغوينهم أجمعين} (4)، وبصرهم من العماية التي لا تعمي الأبصار {ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (5)، وهداهم إلى الدين القويم بالعدل والقسط والحكمة، ودعاهم إلى الصراط المستقيم الذي هو طريقة المعتصمين بالله {ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم} (6).